كلما وصل الإنسان إلى عتبة من عتبات العمر يظن أنه أصبح خبيرا بالحياة وأنه يمكنه أن يدلي بدلوه في شؤونها، وأنها أضحت واضحة القسمات بينة الجهات، يمكنه أن يجري فيها أقاويله بيسر وسهولة، فإذا تغيرت العتبة أو صادفه في مسالكها ما لم يألف شعر بكثير من الخيبة والمرارة ووطن نفسه على فهم جديد، وهو لا يدرك أن الحياة في تقلباتها إنما تتحول هي الأخرى بحسب أحواله وسياقاته التي تكتنفه. كما أنه ينسى في كثير من المواقف أن للحياة سنن يجريها خالقها من فوق كل قانون ومن فوق كل احتمال وأنها هي الأخرى تجري لمستقر لها مهما بلغت حكمة البشرية من الرقي أو مهما وصلت في سيرها إلى الحضيض والانحطاط..
شيء ما في عتبات العمر يوحي للإنسان أنه بلغ مبلغا من العلم، وأشياء أخرى في مجرى الحياة تريه من مفاجآتها أنه لم يدرك شيئا على الإطلاق. وأن تقدمه فيها، وسعادته مرهونة باللحظة التي يعيشها فقط، فإن أحسن فيها صنعا كانت له وإن أساء كانت عليه.. لا شيء في العمر يشي بأننا سنكون أحسن حالا غدا أو بعد غد.. إن لم ندرك أن الغد صنيعة هذه اللحظة التي بين أيدينا... وحينما يطرق الموت أبوابنا في أخ نفقده أو صديق نودعه أو أم نحرم من حنانها ورقة قلبها أو أب تنتيقن باليتم بعده وقد بلغنا من العمر ما بلغنا.. ساعتها ندرك تفاهة ما صنعنا في حياتنا حين فوتنا على أنفسنا أن نكون من خيرة الناس، وأن نكون من أكرم الناس وأن نكون من أحلم الناس وأن نكون من أفضل الناس أخلاقا... نعم كان بإمكاننا أن نكون على الصورة التي تتوق إليها الديانات والفلسفات والآداب والفنون... إن نحن عشنا اللحظة التي بين أدينا على صورة أفضل وأجمل.. ولكن ..يا حسرتاه على العباد.. كل عتبة تدق ناقوس الخطر.. ولا من سامع ولا من مجيب...
20 سيبتمبر 2014
تعليقات
إرسال تعليق