التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف يحاصروننا معرفيا وثقافيا..... الدراسات الأنثروبولوجية والفلكلور مثلا... كتبه حبيب مونسي..



إذا كان البحث في الآداب الشعبية يقوم على ترسانة متينة من النظريات والفرضيات، ويتمتع بعدد لا يحصى من المخابر والمدارس والدوريات،فإنه في خبيئة الرؤية التي يتّشح بها قريب الشبه بالدراسات الاستشراقية،التي مهدت الطريق أمام الموجات الاستعمارية التي عرفها العالم العربي والإسلامي. لأن نظرية مثل النظرية الوظيفية التي تأسست على يد العالم الأنثروبولوجي "فرانز بواز"وتلميذته "روث بندكت" ترى في الفلكلور:« حلقة وصل بين المأثورات الشعبية والأنثروبولوجيا. وتقوم هذه النظرية على رصد وظيفة الفلكلور في المجتمع سواء أكانت تعليمية، أم دينية، أم اجتماعية، أم ثقافية، فالفلكلور في رأي "بواز" مرآة عاكسة لطبيعة المجتمع، أما في نظر "بندكت" فهو وسيلة لخرق عادات وتقاليد المجتمع.» والمفارقة بين الأستاذ وتلميذته يقف عند اعتبار الفلكلور مرآة عاكسة لطبيعة المجتمع، تعرض على الناظر صورة الفطرة فيه، أو صورة الواقع الثقافي الذي يتمح منه أصالته ومعاصرته. ومن ثم يتكشّف المجتمع أمام عين الدارس في أدق خصوصياته الحميمية التي تفصح عن طرائق التفكير، وألوان الاستجابات،وأبعاد الرغبات. وهو عند التلميذة وسيلة خرق أو اختراق لعادات وتقاليد المجتمع.
إن تعبير "روث بنديكت" أصدق من تعبير "بواز" لأنه يكشف حقيقة الفعل البحثي القائم وراء تقصي آداب الشعوب النامية، وغيرها من القبائل الإفريقية التي لا تزال تحتفظ بكثير من سيمات البدائية والبداوة، وهي تتربع على نطاق واسع من الأراضي ذات الثروات الطبيعية، التي يحدجها الغرب بعين جشعة. إنه الأمر الذي دفع بعدد كبير من الدارسين المدعومين من هيئات ومراكز ذات سلطة وقرار في الغرب لإجراء مثل هذه الأبحاث والدراسات: « فكثير منهم (علماء الفلكلور) صار يوجه عنايته نحو البحث في عادات وطبائع المجتمعات في الدول النامية.» وهو توجه لا يمكن اعتباره دوما في سبيل العلم والمعرفة، فتلك نظرة ساذجة اليوم نظرا لما يحاك في الخفاء لمثل هذه الدول النامية زعما.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،