التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الشعر.. والفطرة..والتكنولوجيا. كتبه حبيب مونسي


في زمن لا يقسم الناس فيه إلا بالتكنولوجيا وطفراتها الإنجازية فيما تختلقه سريعا من وسائل للتواصل أحدثت تغييرا كبيرا في عادات الناس وما يصاحبها من مشاعر وأحاسيس وما يركبها من عواطف وأهواء.. في هذا الزمن قد يكون التحدث عن الشعر والفطرة في الذات الإنسانية شيئا من مخلفات الماضي الذي غدا الحديث عنه من قبيل التذكر التاريخي أو الثقافي وحسب.. ولا يمكن الخروج من هذا الوهم الاصطناعي الا من خلال الجلوس الى شاعر ينشد قصيدته فترى القصيدة في كل ابعادها البصرية والصوتية والانفعالية تتمسرح بين يديك.. تتبرج.. تتبختر..تتثنى.. ترعد.. تهمس.. تخرج ما فيها من طاقات تعبيرية لن تعرف التكنولوجيا يوما استنساخها لأنها البعد الإنساني للشعر.. ولهذا اختار لها العربي اصطلاح القصيدة.. لأن القَصْدَة من النساء هي المرأة المعتدلة القوام، المتآلفة الأطراف، المحبوكة الجسد.. فذلك هو البعد الذي ليس للغة وحدها إدراك مداه، وليس للصوت وحده ملامسة تخومه، وليس للجسد وحده ملء مجاله، ولا المعاني التي تتوسع دوائرها كما تتوسع دوائر الماء الساكن الذي يلقى فيه بحجر.. لالا.. وإنما هذه الجُمُلة المتكاملة من الحضور والاكتمال التي تجمع هذه العناصر كلها في فعل واحد متجانس ومتآلف.. يتبعه حضور المتلقي بكليته هو الآخر.. إذ لا ينشد الشاعر لجمهور ميت غير مبال وإنما ينشد في جمع تتوزع فيه ذاته هو أولا .. فيتوزعون هم فيه بعد ذالك ذوات متذوقة منفعلة ترهف السمع وتدقق النظر في الأحوال والهيئات وكأن كل واحدة منها تريد أن تستأثر بالشاعر لنفسها في لحظاته كلها حضورا خاصا بها دون غيرها.. هذا ما يصنع فطرية الشعر في الذات الإنسانية أولا وأخيرا..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،