يقـول تعالى في سورة النازعات ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) إن هذه الآية لتتحدث صراحة عن خلق الليل والنهار بمجرد أن رفعت السماء عن الأرض في اليوم الأول. وقبل أن تخلق الشمس بأيام، وقبل حتى أن تهيأ الأرض بهذه الهيئة. وفي قوله تعالى بعد الحديث مباشرة عن رفع السماء عن الأرض (إذ كانتا ملتصقتين) (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) فهذه الآية لا تذكر شمساً ولا قمراً. وإنما تذكر غطشاً لليل وإخراجاً للضحى، ثم يذكر تعالى (وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) فما تم لليل والنهار كان قبل دحو الأرض. فبمجرد أن تم فتق السماء عن الأرض أغطش الله ليل السماء، وأخرج ضحاها، وليس للأرض هنا أي ذكر، كما يتوهم أهل الأرض الآن من المؤمنين وغيرهم، أن الأرض هي التي تحدث الليل والنهار بدورانها. وقد عبر تعالى للإنسان عن خلق الليل والنهار بأعظم وأبلغ بيان بهذه الكلمات الأربع. فقد ذكر هنا (الليل والضحى) وذكرت عملية الخلق بفعلين. هما: (أغطش، وأخرج). ومعنى أغطش هي أظلم، والفرق بين الغطش والظلام،أن الغطش هو أشد حالات الظلام، الظلمة الحالكة التي لا يبين منها أي شيء لذلك تعبر العرب عن عدم الاهتداء، والتعامي بالغطش. أما الضحى فهو أشد حالات النهار وضوحاً واستنارة وبياناً. والمعنى أنه تعالى أحلك ليل السماء بالظلمة الشديدة، وأضاء نهارها بنور وضاح. ليس هو نور الشمس ولكن من نوره عز وجل. لأنه تعالى كما أخبر عن نفسه (نُورٌ عَلَى نُورٍ) و(اللَّهُ نُورُ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ). وما يؤكد هذا ما ورد بأول سورة الأنعام من قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ). وتؤكد ذلك سورة (الشمس) ذاتها، وفيها: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جـَلاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا). فالنهار هنا هو الذي يجلى الشمس ويوضحها، وليس كما يظن الناس، أن الشمس هي التي تصنع النهار. والليل أيضا هو الذي يغشى الشمس، أي يغطيها ويسترها.
رابعاً: نستدل أيضا من أن الليل والنهار خلق مستقل عن الشمس والقمر مما ورد بسورة الأعراف الآية (54) وفيها يقول تعالى: (إنَ ربَكمُ الله الذِي خَلَقَ السَمَوَاتِ والأرضَ فى سِتَة أيَامِ ثُم استَوَى عَلى العَرشِ يُغشِى الليلَ النهار يطلبُهُ حَثيثا والشَمسَ والقـمرَ والنُجومَ مُسَخرات بِأمره أَلا لـَهُ الخَلقُ والأمرُ تَبارَك الله رَبُ العَالمينَ). إن هذه الآية لتخبرنا بأن لليل والنهار فعل خاص ومستقل بهما: (يغشى الليلَ النهار يطلبُهُ حَثيثا). ثم هناك فعل أخر وغير مرتبط بفعل الليل والنهار تذكره الآية للشمس والقمر والنجوم. وهو التسخير. ومما ورد بسورة طه الآية (130) وفيها يقول تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) فقد ذكرت الآية طلوع الشمس وغروبها وذكرت أطراف النهار، مما يعني أن هذا غير ذاك، فطرفي النهار غير طلوع الشمس وغروبها، وقد ذكر القرآن حدوداً لوقت النهار غير متعلقة بطلوع الشمس أو غروبها.ولعل في ذلك ما يوضح لنا الفرق بينهما فقال تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة:187) فالصوم إذن يكون في نهار شهر رمضان، وهو لا يبدأ من طلوع الشمس بل من بداية ظهور أول خيوط الصباح. وينتهي الصوم بالليل كما جاء في الصحيحين" إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم" وكان من الأسهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول (إذا غربت الشمس)، رغم توافقها مع دخول الليل. كذلك قـال تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْل) (هود:114) وطرفي النهار هما وقت تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والطرف الآخر وقت إدبار النهار وإقبال الليل.
خامساً: في السموات ليل ونهار، رغم أنـه لا شمس ولا قمر، وهذا ما يفهم من قوله عن الملائكة (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20)
سادساً: وعندما تقوم الساعة سيكون هناك أيضا الليل والنهار رغم فناء الشمس والقمر. يقول عز وجـل عن أهـل الجنة (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا) (الإنسان:13). غير أن الله تعالى يذكر في سورة مريم الآية (12) (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) وهذا عن أهل الجنة، فرغم غياب الشمس وانتهاء دورها إلا أن هناك بكرة وعشيا.
===
تعليقات
إرسال تعليق