التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من الذي صنع العنف؟؟ كتبه حبيب مونسي



من الذي صنع العنف؟ 

===
حينما نتدبر الأمور بسعة أفق تتكشف أمامنا حقائق عن واقع الحال كانت مغيبة تحت ضجيج الأقاويل وصخب المتكلمين ممن يتبادل التهم بدل البحث عن الحقيقة في جوهرها. إذ ليس الهم عند هؤلاء الوصول إلى الحقيقة وإنما الانتصار إلى الرأي وإرغام الناس على قبوله بعد ذلك. ومن ثم كانت مسألة العنف الذي يسكن العالم اليوم في كل مظاهر الحياة، من القضايا التي ترفض كل الأطراف تلمس الحق فيها، لأنها متهمة ومسؤولة، ولا تستطيع أن تتراجع، لأنه لم يعد في قانون الأشياء ما يسمح بالتراجع.. يقول قانون بسيط من قوانين الفزياء والمادة: أن كل فعل له رد فعل مساو له في القوة معاكس له في الاتجاه. وهو قانون مشاهد في المادة والأفعال المتصلة بها، غير أنه دسيس الفعل بالغ الأثر في المشاعر والمواقف وما يتصل بها من أفكار، يتجاوز الزمن فيكون أثره عميقا في الأجيال التي تأتي من بعد. كانت حركات المقاومة ردة فعل على استعمار غاشم، وسمي التخلص منه استقلالا، وكان ما بذله الأهالي جهادا ونضالا. وكانت الحملات التي قادها مفكرون متنورون وحداثيون علمانيون من الضفتين غزوا ثقافيا، وكانت ردة الفعل مجابهة تتحرك على صعيدين: صعيد إبطال التهم وصعيد تسفيه البديل.. وبين ما أحدثه الاستعمار من خراب في أساسات الأمم ماديا، وما أحدثه هؤلاء من خراب في معتقدات الأجيال و تراثهم من خراب، كانت موجات العنف تأخذ مداها العاتي الذي سيرتد في حركة راجعة لا تبقي ولا تذر. وإلى جانب هذا كله عملت المنظومات التعليمية على تخريج أرتال من أنصاف العلماء، وأنصاف الباحثين، وأنصاف المحققين الذي تلوثت عقولهم، وتشوهت عدسات الرؤية فيهم بما استحدث من طرائق ومناهج للبحث فزادوا الطين بلة بما طرحوه من أفكار مشوهة، وما أفتوا به من فتاوى ناقصة، وما قدموه من تحقيقات معتلة.. فأعادوا خلط الأوراق من جديد.. هذا "الحصاد المر" هو حطب العنف ووقوده.. والذي لا يعرف الغرب اليوم كيفية التخلص منه.. لأنه هو المسؤول عنه أولا وأخيرا.. فهو من استبدل منظوماتنا التعليمية بمدرسة لائكية، وهو من قتل العلماء وحيدهم واستبدلهم بأبواق تنفعل لكل طارئ وحادث انفعالا ساذجا، وهو من خرج طائفة من الباحثين الذين لا يفكرون إلا من خلال مشكاته، ولا يستخدمون إلا مقولاته، ولا يكررون حتى في اجتهادهم الخالص إلا ما يريده هو قبل غيره.. يا سادة العنف ليس من صناعتنا..ولا من بضاعتنا.. إنه عنفكم وبضاعتكم فاحبسوه عن أنفسكم قبل أن تفكروا في حبسه عنا.. فأنتم مبتدأه ومنتهاه..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،