التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قصة الخلق... خلق الجبال بتصرف عن صاحبه عيد ورداني




كانت الجبال من أول المخلوقات كما ورد بسورة فصلت: ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَها(. ولكنها أيضا لم تستعمل في إرساء الأرض إلا بعد اكتمال المخلوقات وذلك كما ورد بسورة النازعات: ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32). ذكرنا أن الله تعالى لا يذكر الأنهار إلا ويذكر معها الجبال، ذلك لأننا نعلم أن الأنهار إنما تجرى مبتدئة من وراء الجبال التي ينزل عليها الماء بغزارة ولكن هذا الذي شاهدناه عندما وجدنا على الأرض، لكن هناك ملحوظة صغيرة ولكنها هامة وردت بالقرآن. إذ ورد بسورة النازعات أن الماء الذي جرى في الأنهار قد خرج من الأرض، أما الجبال فقد ورد بسورة فصلت أنها جاءت للأرض من فوقها. وهذا الأمر بالطبع مناقض لما نراه في الحياة الدنيا الآن، أن الماء الذي يجرى في الأنهار يأتي من السحاب الذي في السماء، وأما الجبال فنجدها راسخة في باطن الأرض، ولكن هذا بعد أن تم الأمر وسارت الأمور إلى ما هي عليه الآن.
أمـا في بدء الخلق فالأمر مختلف، يقول تعالى: ( أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها) والآية واضحة. أن الماء في البدء خرج منها. أما في (فصلت) فيقول: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) وواضح أيضا من الآية أن الجبال جاءت للأرض من فوقها. وفي أكثر من آية نعلم أن الجبال جاءت للأرض من خارجها ثم ألقيت فيها:      
-(وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ( (ق:7).
-(وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ( (لقمان:10). 
فهذه الجبال ألقيت من فوق الأرض لترسيها، وإنما ألقيت بعد أن استقر كل شيء على الأرض. وإن كانت الجبال من أوائل المخلوقات كما ذكر تعالى في سورة فصلت، فإن السورة أيضا تبين أن الله تعالى عندما خلق الأرض لم يرس الجبال فوقها مباشرة، وإنما جعلها: (مِنْ فَوْقِهَا) وهذه الإضافة لم ترد إلا هنا فقط. إذن فقد خلقت الجبال وأودعت في مكان ما فوق الأرض. لتستقر على الأرض في اليوم السادس، وهو اليوم الأخير من أيام الخلق. وهذا ما يفسر لنا لماذا ذكرت الجبال في سورة النازعات كآخر المخلوقـات، ولنتأمل جيداً في الآيات:
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32).
 وهناك أحاديث عديدة تؤكد هذا الأمر منها الحديث الذي رويناه عن ابن عباس عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  المتعلق ببدء الخلق والذي فيه:" وخلق يوم الجمعة النجوم و الشمس والقمر، والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه، فخلق من أول ساعة من هذه الثلاث: الآجال (حين يموت من يموت)، وفي الثانية ألقى فيها من كل شيء مما ينتفع به.... نعلم من هذا الحديث أن الملائكة خلقت يوم الجمعة وهو اليوم الأخير من أيام الخلق دون خلاف. ثم بعد ذلك ألقى الله في الأرض (من كل شيء ينتفع به). وهذا الإلقاء تفسره باقي الآيات (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ( (لقمان:10) ويبين ذلك أيضا الحديث الذي رواه أحمد عن أنس بن مالك عن النبي قال:" لما خلق الله الأرض جعلت تميد (تتمايل) فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال (أي من قوتها) وهذا يدل على أن الملائكة رأت الأرض وهي تتمايل، أي أن الأرض ظلت بحالتها حتى رأتها الملائكة التي خلقت في اليوم الأخير. ويؤكد ذلك مـا رواه الحسن وسعيد عن قيس ابن عبادة: أن الله لما خلق الأرض جعلت تميد. وفي رواية أخرى (لما خلقت الأرض كانت تميد) فقالت الملائكة: ما هذه  بمقرة على ظهرها أحد، فأصبحوا وفيها رواسيها، فلم تدر الملائكة مما خلقت الجبال". فإن هذا الحديث ليدل على أن الملائكة رأت الأرض وهي تميل وقد بقيت فترة كذلك، حتى فوجئوا بها ثابتة بإرساء الجبال عليها.
ورغم أن الجبال خلقت لثقل الأرض وتثبيتها إلا أن الله تعالى عندما أرسها في الأرض جعل منها أيضا ألوان مختلفة لتكون زينة للناس بتعـدد ألوانها وأشكالها وأطوالها يقول تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ( (فاطر:27)


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،