المرحلة الثانية: مرحلة الدحو و مرحلة الطحو.... يومي الثلاثاء والأربعاء نقلا بتصرف عن صاحبه عيد ورداني.
قال تعالى في سورة فصلت: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) وهي التي سماها الله باسم (الـدحو) لقوله تعالى في سـورة النازعـات (وَالأرْضَ بَعـْدَ ذَلِكَ دَحـَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا). وإن كان ذكر الجبال في سورة فصلت قد قدم على غيره، فإنه تأخر في سورة النازعات وقد تم ذلك لعلة سنذكرها في حينها وسنؤخر الحديث عن الجبال إلى نهاية الحديث عن هذه المرحلة إتباعا لنهج سورة النازعات.
لم يحدث أي شيء للسماء في هذه المرحلة، فهي مرحلة خاصة بالأرض وحدها، تم فيها كل شيء متعلق بالأرض وتهيئتها لمن سيسكن فيها. فكل ما نراه الآن في شكل وهيئة الأرض فقد تم في يومي الثلاثاء والأربعاء، من تقسيم الأرض إلى قارات وبسطها وفرشها وتمهيدها. وإخراج الماء، وإنبات المرعى وتقدير الثروات المعدنية وموارد الأرض التي يستعين بها الإنسان في صناعته الآن، كل ذلك قد وجد في هذين اليومين، وخلق الكائنات الحية من حيوانات وأسماك وطيور وما يسر لكل دابة من رزق فقد تم أيضاً في هذه المرحلة. وتسمى هذه المرحلة: الدحو.
01- " طحو الأرض". يقول الله تعالى في سورة الشمس (وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا) وقد بين الحديث معنى (الطحو) عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتق وقال:" ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها، فجعل سبع أراضين في يومين". فهذا الفتق لذات الأرض التي كانت متجمعة في مكان واحد فجعل منها سبع قارات في يومين" فهذا هو (الفتق الثاني) وهو غير فتق السماء عن الأرض. تطلق لفظ الطحو علي الذهاب في الأرض. يقول أبو عمرو بن العلاء: طحى الرجل إذ ذهب في الأرض بمعنى ابتعد. وعلي ذلك يكون المعني: أن الله تعالى قسّم الأرض المتجمعة إلي أقسام، وأذهب كل قسم بعيدا عن الآخر في الماء. والتي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الأراضين السبع" في يومين، ولم يتم ذلك في ملايين السنين كما يقول التجريبيون. ويقوله من ورائهم المسلمون في نظريتهم المعتمدة في بلاد القرآن بأن هذه القارات إنما تكونت بعملية الإزاحة والتحرك التي استغرقت ملايين السنين حتى أصبحت كما هي عليه الآن، وأن هذه العملية (التزحزح) لازالت مستمرة حتى الآن رغم قول الله تعالى (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرّ) (القمر:3) وقال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) (البقرة:22). وقال تعالى: (وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) (الذاريات:48).
02-خلـق الأنهار: في سورة فصلت يقول تعالى (وَبَارَكَ فِيهَا) وفي سورة النازعات يقول (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءها وَمَرْعَاهَا). أما إخراج الماء فالمقصود به الماء العذب وليس الملح الأجاج، فهذا قد تم خلقه في المرحلة الأولي مع اليابس. فهذه الأنهار التي تجري في الأرض قد خلقت في يومي المرحلة الثانية للخلق ولا صحة أبدا لما يقوله التجريبيون أن هذه الأنهار قد تكونت بفعل الماء، بل إن الثابت أن الأنهار شقها الله عز وجل (ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا) (عبس: 26) وليست من فعل الماء، ويقول تعالى (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا) (الرعد:3) وواضح من الآية أن الأنهار مخلوقة، وليست متكونة، هذا أيضا غير العيون التي فجرها الله من الأرض. الآيات التي ورد فيها ذكر الأنهار مرتبطة بذكر الجبال الرواسي وذلك لأن الأنهار تجري ومن ثم ستكون دائما في حاجة لمدها بالماء، فهو تعالى قد خلق الأنهار بادئة من وراء الجبال الرواسي حتى إذا ما نزل ماء السحاب عليها لم يتفرق في كل جهة بل يتجه إلي حيث يـوجهـه الله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ) (السجدة:27). وكل الآيات التي تتحدث عن الأنهار قد وردت مع آيات الجبال كقوله تعالى: ( وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا) (النحل:15). (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) (المرسلات:27).
تعليقات
إرسال تعليق