التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تأملات... مقاصد الكتابة الصحفية... يكتبها حبيب مونسي.


تقوم الكتابة الصحفية اليوم بدور من أخطر الأدوار التي تتقرر بموجبها كثير من التحولات التي تحرك العالم وتصنع وجهته. إذ لم تكن الكتابة الصحفية في يوم من الأيام كتابة محايدة، تقف عند عتبة الإعلام والتبليغ. بل الفعل المرتبط بها يجد في الامتدادات السياسية التي تغذيه، وتمده برؤيته الخاصة، ما يجعلها في يد الطبقة الحاكمة أشبه شيء بالمسبار الذي تعرف به حرارة الحراك الاجتماعي بما تبث فيه من رؤى، يكون  ا لهم وراءها تحسس القابليات أو الرفض، أو الاتجاهات التي يمكن للفكرة أن تنسرب إليها في المعالجة والتقدير.
     وإننا حين نقف أمام المقال الصحفي، لا نقف في حقيقة الأمر أمام صفحة خالية من الكيد والمخاتلة، همُّها الأول في تقديم الخدمات التي تناط عادة بالعمل الصحفي، في رفعه الخبر إلى الرأي العام. بل نقف أمام رؤية تحاول أن تكيِّف فينا القابلية لوضع جديد. ومن ثم تكون الكتابة الصحفية، ليست كتابة إمتاع وإخبار، بل كتابة توجيه وتأثير. غير أننا لا نفكر إلا قليلا في الكيفيات التي تسلكها الكتابة للتأثير، ولا نتساءل عن المقادير التي تقيس بها الأشياء والأفكار. لأنها لا تعرض -في حقيقة الأمر- فكرا جديدا طارئا، وإنما تحاول –استنادا إلى توجهاتها الخاصة- أن تطرح جديدها في السياق الاجتماعي على نحو خاص، وكأنه الفكر الجديد.
     لذلك كان البحث في تقنيات الكتابة الصحفية -باعتبارها نصا يُترجم للاستهلاك السريع- بحثا في المقصديات التي تجعل التقنية عاملا من عوامل التأثير والتوجيه. وإذا عدد الدارس الكيفيات التي يتوجب على المحرر الصحفي اتباعها لكتابة مقال يلبي كافة المطالب الفنية للكتابة الصحفية، فإنه يقدم فقط ورقة خالية من المعنى. لأن المقال الصحفي –على النحو الذي رأينا- لا تتوقف قيمته على الإجادة واتباع القواعد، بل تتوقف على مدى التأثير الذي يحدثه في القراء أولا، وعلى مدى الاستجابات المسجلة، سواء كانت استجابات استحسان ومشايعة، أو استجابات استهجان ونقد. لأن المقال الذي يثير، قد يبيت الإثارة والرفض، كما قد يسعى إلى اكتساب المؤيد المعاضد. فوظيفته ليست وظيفة جمالية بحتة – وإن كانت الكتابة الصحفية تتوسلها في كثير من العروض- بل وظيفة عملية تؤطرها الرؤية السياسية، أو التوجه الأيديولوجي والفكري.
     إن قياس درجات الاستجابة في التلقي سلبا وإيجابا، رفضا وقبولا، هي أوكد المعايير التي يلجأ إليها التقييم الصحفي. ومن ثم كانت الكتابة الصحفية، كتابة تتراجع دوما مبتعدة عن الأدبي، وهي تتلبس رداء الجدل والمناظرة، والوعظ.. إنها تعلم يقينا أن القارئ لا يبصر الكلمات التي يقرأ، وإنما يبصر الحراك الاجتماعي خلفها، وقد عصفت به المشكلات اليومية التي تثيرها التصرفات الشاذة، أو الأفكار والطرق البالية..

     فالذي يمسك المقال الصحفي بين يديه، يمسك يوما من أيام الناس، وقد توزعته الرغبة الاجتماعية، والتسيير السياسي. فبين هذا وذاك تقوم الاعتراضات التي تحاول الكتابة الصحفية تجاوزها من أجل إحلال فكرة، أو نقد، أو توجيه، أو تكييف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،