كيف قــــرأت الروايــــة الجزائريـــة الثــــورة؟ حوار نوارة لحرش.. في كراس الثقاففة.. ملحق النصر كتبه حبيب مونسي.
=====
الثورة كما عرضتها الروايات لم تكن سوى شبحا باهتا لخطاب سياسي أراد للأدب أن يكتب ما كتبه التاريخ بلغة خيالية
لا يمكن أبدا عزل واقع الأدب عن واقع السياسة، لأن الأدب مأخوذ أصلا بتتبع الواقع الذي ترسمه السياسات وتترك على وجهه آثارها في الفرد والمجتمع، وحتى وإن أغرق الأدب في الرمزية وابتعد عن الواقعية فإنه يظل مشدودا إليه، لأن مكونات المخيال الأدبي تمتح مادتها من تربته أساسا. ومن ثم نجد علامات التأثر والتأثير بادية في الكتابة الأدبية، وظاهرة علنا في التوجيهات السياسية، التي تحاول دوما أن تجعل من الأدب منبرها المفضل لتطل منه على الطبقات الاجتماعية، وقد استكملت دورتها الدعائية في حلقة كاملة. لذلك كانت الآداب التي تكتب تحت مظلة السياسي وتوجيهه، كتابات مادحة، تشيد بالمنجز السياسي الذي حققته الدولة أو الحزب.
ولما كان التوجه الغالب على الكُتاب إبان الاستعمار وبُعيد الاستقلال اشتراكي الهوى، يساري المنزع، كان التعبير عن البطولة ينحو منحى العمل الجماعي، الذي يؤطره الفريق، وكان التأكيد على الخطاب الحزبي واضحا في كل فقرة يكتبها الأديب. من ثم إذا أردنا أن تكون قراءاتنا لهذه الكتابات قراءة سليمة، فإنه يتوجب علينا أن نقدم بين أيدينا دوما سياقاتها الخارجية، لنعرف كيف ننظر إلى تلك اللوحات التمجيدية التي كُتبت في وصف البطولات الخارقة، وكيف نفهم معنى التضحية والإيمان بالأهداف والمرامي التي تنتهي بها فقرات القصص والروايات.
لم تكن الثورة الجزائرية تخلو من بطولة، بل الخروج في وجه الاستعمار وحده يعد بطولة، بله حمل السلاح والتوجه إلى الأدغال لنصب الكمائن، وتخريب المنشآت،وزعزعة استقرار المعمرين. كل ذلك يشكل مادة لكتابة صفحات من البطولة التي تتجلى فيها الذات الفردية بهمومها ومخاوفها، بما تفهمه من واقعها الجديد، وما تنكر منه من تقلبات تحدث على الساحة السياسية الفرنسية والعالمية. فليس كل المجاهدين على وعي واحد مكتمل، يدركون طبيعة الصراع الذي أدرجوا فيه. فإذا كان فيهم المتعلم الذي يعرف أبعاد القضية، ففيهم من أخرجه الفقر، وفيهم من أخرجته رغبة الانتقام ممن قتلوا أباه وأمه، وفيهم من جُند على الرغم من تردده، هناك وضعيات كثيرة كان يمكن للرواية أن تعالجها لتستخلص منها معنى البطولة بعيدا عن البطولة «الفكرة» التي يحملها الحزب في نصوصه الأيديولوجية.
ما يُكتب اليوم عن الثورة فيه هذا الاهتمام، وأخاله اهتمام محتشم اليوم يطل برأسه من خلال نصوص يكتبها روائيون شيوخ وكهول عاصروا النمط البطولي المؤدلج، وأدركوا فيه انحرافه عن الواقع والحقيقة، فعادوا مرة أخرى يجددون القول في الثورة ومآسيها، ولكن من منظور ذاتي واقعي، لا يلتفت إلى الأيديولوجي بقدر ما يعطي الواقع الصرف حق الوجود في هيئاته التي هي له، كما تدركها الذات في عزلتها أو في اندماجها مع غيرها. كما يكتب الرواية شباب لهم من الأسئلة التاريخية التي تقلق وتضع التاريخ في مأزق، حينما ترفع إليه من المذكرات واليوميات التي يكتبها من شاركوا في صنع الثورة وأحداثها، وما يجدونه فيها من تناقض وتضارب واختلاف، فتعود الأسئلة هذه المرة بعيدا عن بيانات الحزب، أسئلةً وجودية تحتاج إلى من يجيب عنها ولو افتراضيا عن طريق مخيال السرد.
قلت في مقال آخر أن نص الثورة لم يكتب بعد، إشارة إلى هذا المنحى في السؤال والكتابة. وأن الثورة كما عرضتها الروايات التي كتبت في الثلاثين سنة من القرن الماضي، لم تكن سوى شبحا باهتا لخطاب سياسي أراد للأدب أن يكتب ما كتبه التاريخ بلغة خيالية، تعرف كيف تردد شعارات الحزب والدولة. وكيف تقدم بطولات يمكن أن تقتطع وتوضع في برواز لتعلق في مداخل المؤسسات الحكومية، تذكيرا بماض مجيد.
تعليقات
إرسال تعليق