التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وحي المساء... الهاتف... نثيرة ... يكتبها حبيب مونسي.


الهاتف..

رن الهاتف..على غير عادته..
لطيف الجرس.. دافئ الرنين..
وتدفقت الكلمات خجلى..
شلالات من نور..
تغسل الذكرى..
تعود بالأيام إلى نبعها الصافي..
إلى دفء الطفولة، وحلمها الغافي..
إلى أكداس المشاعر السكرى..
*
قلت: أتسعدين..؟
ما أثقل العتبى
قالت: في الأبناء عوض..
قلت..
وهل يعوض الجدول بحرا ؟..
!!!
رنّ الهاتف على غير عادته..
لطيف الجرس دافئ الرنين..
وتهاطلت الذكرى…
شلالات من نار..
تعود بالأوهام.. إلى ليلها البهيم..
إلى غنة… في صوتها الرخيم..
إلى رعشة يوقعها..
خفق الفؤاد..
ودفق الوداد..
*
قلت..
أتذكرين..؟
ما أثقل الذكرى..!
قالت..في النسيان سلوان..
قلت..
وهل تخفي البراقع وشما..؟
!!!
قالت..
كأني أرى .. خلال نبرتك شيبا..؟
إن لي فيها .. تجاعيد الزمان..
وتهدج صوت.. وإرنان..
كأنها تعاتب فيك وفيّا..
جراحات.. وكيّا..
فاختصر يا رجلا مسافات الحنين..
وتخط إليّ متاهات السنين..
فأراك ذياك الفتى الحالم..
*
قلت..
وهل يفضح الهاتف لي عيبا ..؟
هل تراني عبر الكلمات..
أشف عن عبراتي..
كما شفّ الماء عن الحصاة..؟
هل تراني كخيال الظل..
ترسمه إرتعاشات.. يموِّجها المدى..
عبر أديم قفر ، يذرعه الصدى..
بلادة الصخر..
يصفعه الحر والصقيع..
فلا أرض، ولا انتماء..
!!!
رنّ الهاتف على غير عادته..
لطيف الجرس دافئ الرنين..
وعاودني صوتها مبحوح الكلمات..
يرفع في وهن..
أغلال الزمن..
ورداء تنسجه الكهولة والمشيب..
أغبر اللون..
يخالط سحنتي..
كما يسطو الظلام على هدأة المغيب..
أرثاء كان ذاك الحديث..؟
ما أكبره..!
ما أخطره..!
لقد كنت في غفلتي.. نخبا..
أحسب الدهر راكدا.. صلبا..
وأني كما كنت مذ ذاك.. رطبا..
أخضر العود، مخضل الزهرات..
يشرب الحياة ارتشافا.. وعبا..
*
أواه محدثتي..
هاتفك اليوم..
نعي بين الصوت.. وقح الكلمات..
قالت..
قالت .. في أشعارك الضمئى دلاء..
قلت..
وهل تروي الرمال دلاء..؟
!!!
رنّ الهاتف .. على غير عادته..
لطيف الجرس.. دافئ الرنين..
وارتجت شغاف القلب .. رجا..
كجناح طير..
يراود الفضاء العريضا..
يثب بين الضلوع..
وثبة النار في الدموع..
*
قلت..
وهل علمت لي شعرا..؟
يوقعه النبض .. دهرا..
وتجري به العبرات.. جداول وحبرا..
إنه مني.. روحا إذا تولى..
همد الجسد المحموم، ثم تدلى..
إلى قرار أغبر التربة قفرا..
إنه دمي..أحمر قان..
أفحم.. أسحم.. ذو ألوان..
كأنه شفق المغيب.. بعدما كان فجرا..
قالت..وهل يعانق الثلج جمرا..؟
*
أنت وراء المدى..
حلما حلو الندى..
كرحيق الزهر..
عتّقه الشذا..
قلت.. أواه معذبتي..
ما أسكر شعري وما أبقى..
أنا منذ سنين خلت..
خمر خابية زاده البلى سكرا..
أنا شراع الزورق الحيران..
تطويه لاهية الريح طيا..
!!!
رنّ الهاتف..على غير عادته..
لطيف الجرس..دافئ الرنين..
وتلاشت حدود وتخوم..
وتلاقت ظنون ورجوم..
وبدا الفؤاد الحيران قفرا…


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،