يكشف لنا "بارت" وهو يناقش عتبة التحول من النقد
القديم إلى النقد الجديد في سنة 1965 والتي يعدها تاريخ التحول إلى النقد الحداثي.
عن حقيقة النقد القديم ومرتكزاته، التي حاول من قبل في كتابه هدمها الواحدة بعد
الأخرى، قبل أن يصرح بأنها مرتكزات النقد السائد الذي أطر الآداب لقرنين متواليين.
فيقول: (هذا هو حال المحتمل النقدي في عام 1965: فالكلام عن أي كتاب - في النقد
القديم- يجب أن يكون بموضوعية، وذوق، ووضوح. ) وسريعا يضيف بعد ذلك في وثوقية
غريبة جدا قائلآ: (غير أن هذه القواعد ليس من قواعد زماننا.) لماذا يا سيد
"بارت"؟؟ فيجب بهذه النبرة المتعالمة قائلا: (لقد جاءت القاعدتان
الأخيرتان من القرن الكلاسيكي، في حين أن الأولى جاءت من القرن الوصفي.) أي
الوضعي. ومنه ندرك أن النقد القديم كان يقوم على ثلاثة قواعد فكرية وجمالية:
الموضوعية، والذوق، والوضوح. موضوعية تحاول أن تجعل من النقد علما يقوم على دفع
الذاتية ، وذوق يعترف بخصوصية الأدب وتنوع أساليبه، ووضح في رسالته ومقاصده. وهذا
عين ما يريد النقد الحداثي هدمه، يكون النقد الجديد كلاما ذاتيا، ينتجه قارئ، لا
يملك سيرة ولا تاريخا، أي عار من ذوق يمكنه من تمييز الحلو من الحامض، وغموض
تتشابه فيه المقدمات والنتائج، ويتساوى فيه الغالي والرخيص. ثم يعيد
"بارت" التهمة التي تلصق بالنقد الحداثي الجديد قائلا: (فهو متهم بأنه
يقف غير مبال "بما هو الأدب في الأدب" وبأنه يهدم "الأدب كواقع
أصيل".) تلك هي الصرخة التي واجه بها النقد الموضوعي - منذ البدء - تيار الهدم الذي قادته بعض الأسماء التي أضحت اليوم أصناما لا يجوز
الاقتراب منها على كل حال.
(رولان بارت- نقد وحقيقة- موت المؤلف- ت. منذر عياشي- ص: 63- 64- مركز
الإنماء الحضاري 1994.)
يتبع..
تعليقات
إرسال تعليق