يقيم
بارت جنازة المؤلف من غير مقدمات تقنعنا بما ذهب إليه.. فقط يقول: (لقد دفن الناسخ
الحديث المؤلف ) لينتقل بعدها إلى الحديث عن هذه الشخصية الغريبة التي ابتدعها
وسماها الناسخ، ليقول عنها، وكأنه خبرها واكتشف حقيقتها: (لم يعد "هذا
الناسخ" يعتقد أن يده بطيئة جدا في مجاراة فكره وانفعاله) لأن هذا الشعور كان
يؤرق الكاتب الحق الذي يتعثر القلم وراء أفكاره وانفعالاته. والذي اجتهدت الحداثة
في وأده، وسلب شرف مكانته بين الناس. أما هذا المخلوق العجيب فيده: (مطلقة من كل
صوت، وهي إذ تحمل حركة التسجيل وليس التعبير، فإنها تقص أثر حقل من غير أصل، أو
على الأقل، إنه حقل ليس له أصل آخر سوى اللغة نفسها.) إنه يكتب اللغة فقط، لغة
ليست لها من مرجع تعود إليه، وليس من أصل تتكئ عليه، لأنها بكل بساطة: (لا تتوقف
عن وضع كل أصل موضع الشك).. والناتج عن هذا الشك المتأصل لدى الناسخ سيكون نصا؟؟
وأي نص؟ يقول بارت في سحره الجديد، وبكل ثقة متعالية.. تلك الثقة التي تسم كتابات
النقاد الجدد وكثير من الحداثيين : ( إننا لنعرف الآن أن النص ليس سطرا من
الكلمات، ينتج عنه معنى أحادي، أو ينتج عنه معنى لاهوتي "لرسالة" جاءت
من قبل الله. ولكنه فضاء لأبعاد متعددة، تتراوح فيها كتابات مختلفة، وتتنازع، دون
أن يكون أي منها أصليا.) فالنص فضاء.. ما أوسع هذا التمييع، لأنه سيكون فضاء حيرة،
وتردد، وتيهان.. فلا معلم ولا شارة ولا دليل، لأن النص أخيرا: (نسيج لأقوال ناتجة
عن ألف بؤرة من بؤر الثقافة.. ) أي "اللغو" بكل أبعاده المأساوية..
(رولان بارت- نقد وحقيقة- موت المؤلف- ت. منذر عياشي- ص:
21- مركز الإنماء الحضاري 1994.)
يتبع..
تعليقات
إرسال تعليق