يعلم صديقي أن الهيرمينوطيقا من المصطلحات الكهنوتية،
التي تشير إلى ذلك النشاط الذي يقوم به مفسرو النصوص التوراتية والإنجيلية، لحملها
على موافقه العصر، والتحدث بلسانه، والاستشراف إلى مستقبله. وهو نشاط يقوم على
قدرة المُؤِّول على التخريج، والتعليق، وربط الرموز، وتوليد إيحاءاتها، لا على
قدرة النص على اختزان كل ذلك في لغته وخطاباته. وما قام هذا النشاط في أيدي أهله
إلا جراء تأكدهم من بساطة النصوص القديمة، وسطحيتها، وأسطوريتها ابتداء. وأنها من
نسج أناس
هم أبناء عصرهم، وثقافتهم، واعتقاداتهم. وأنه يتوجب عليهم أن يتخطوا الأزمنة بهذه
النصوص، ليقوِّلوها حاجاتهم الجديدة. فكان لزاما عليهم أن يوجدوا لها نشاطا قادرا
على هتك حدود اللغة، وتفجير الرمز، وتقويل العبارات، وتوليد الدلالات، وحَمْلِ ذلك
كله على أن النص شفرة يجب فكها باستمرار.. فإذا صلح هذا الأمر في تحريك نصوص بائدة،
فإنه من باب أولى أن يكون صالحا لتحريك نصوص تعمَّد أصحابها غمسها في عتمات الغموض،
ولفِّها بأردية الطقوس، والعودة بها إلى لغة الأسطورة والكهانة.. وكأنها ارتداد
إلى كهوف الذات التي لم تعرف نور الحقيقة، ولم تسر في دروب الفكر.. حينها صار
للأدب كهنتُه المؤوِّلون الذين يرفضون أن يخالفهم أحد، أو يسفه فعلهم ناقد، أو أن يرفض
مفكر ما انتهوا إليه من تخريج.. لأنهم السَّدنة الجدد لمعبد الهرامسة .. وقولهم
أرفع شأنا من قول النص الذي انطلقوا منه.. إذ هم الواسطة ابتداء، وأرباب المعنى والمنتهى
أخيرا...
ولا يخطر ببالي وأنا
أبحث لذلك عن صورة تواتيه وتظهر حقيقته الآن غير صورة تلك الحشرة الذكية التي تخدر غيرها من
الحشرات، لتضع في جوفها بيضتها حتى تتغذى اليرقة عليها، وهي حية أثناء نموها، ولا
تغادرها إلا وهي جثة هامدة..
تعليقات
إرسال تعليق