التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تأملات من أكاذيب النقد الحداثي.. الهيرمينوطيقا يكتبها حبيب مونسي.



يعلم صديقي أن الهيرمينوطيقا من المصطلحات الكهنوتية، التي تشير إلى ذلك النشاط الذي يقوم به مفسرو النصوص التوراتية والإنجيلية، لحملها على موافقه العصر، والتحدث بلسانه، والاستشراف إلى مستقبله. وهو نشاط يقوم على قدرة المُؤِّول على التخريج، والتعليق، وربط الرموز، وتوليد إيحاءاتها، لا على قدرة النص على اختزان كل ذلك في لغته وخطاباته. وما قام هذا النشاط في أيدي أهله إلا جراء تأكدهم من بساطة النصوص القديمة، وسطحيتها، وأسطوريتها ابتداء. وأنها من نسج أناس هم أبناء عصرهم، وثقافتهم، واعتقاداتهم. وأنه يتوجب عليهم أن يتخطوا الأزمنة بهذه النصوص، ليقوِّلوها حاجاتهم الجديدة. فكان لزاما عليهم أن يوجدوا لها نشاطا قادرا على هتك حدود اللغة، وتفجير الرمز، وتقويل العبارات، وتوليد الدلالات، وحَمْلِ ذلك كله على أن النص شفرة يجب فكها باستمرار.. فإذا صلح هذا الأمر في تحريك نصوص بائدة، فإنه من باب أولى أن يكون صالحا لتحريك نصوص تعمَّد أصحابها غمسها في عتمات الغموض، ولفِّها بأردية الطقوس، والعودة بها إلى لغة الأسطورة والكهانة.. وكأنها ارتداد إلى كهوف الذات التي لم تعرف نور الحقيقة، ولم تسر في دروب الفكر.. حينها صار للأدب كهنتُه المؤوِّلون الذين يرفضون أن يخالفهم أحد، أو يسفه فعلهم ناقد، أو أن يرفض مفكر ما انتهوا إليه من تخريج.. لأنهم السَّدنة الجدد لمعبد الهرامسة .. وقولهم أرفع شأنا من قول النص الذي انطلقوا منه.. إذ هم الواسطة ابتداء، وأرباب المعنى والمنتهى أخيرا...
ولا يخطر ببالي وأنا أبحث لذلك عن صورة تواتيه وتظهر حقيقته الآن غير  صورة تلك الحشرة الذكية التي تخدر غيرها من الحشرات، لتضع في جوفها بيضتها حتى تتغذى اليرقة عليها، وهي حية أثناء نموها، ولا تغادرها إلا وهي جثة هامدة..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،