التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تملات.. بأي منطق يفكر رولان بارت؟ كتبه حبيب مونسي




يتحدث بارت عن المؤلف فيقول: إنه (يقف مع كتابه موقف الأب من طفله، فهو سابق عليه وجودا) وكأنه بذلك يسجل ما يعرفه الناس من علاقة الكاتب بما كتب، غير أنه يريدنا أن نهدم هذا الاعتقاد هدما كليا، لأننا كنا واهمين طيلة عصور مضت في تصديق هذه العلاقة، وأنها مجرد خرافة. فيقول: (عير أن الأمر على عكس من هذا بالنسبة إلى الناسخ الحديث) وهنا يعمد الساحر إلى شيء من سحره، فيدفع بين أيدينا بلفظة "ناسخ" ليضعها بدل كلمة كاتب فيبدأ الارتياب يحدث فينا أثره. وكأن الكاتب الذي كنا نعرف صفاته، وآثاره، قد انتهى واندثر من الوجود. فالذي بين أيدينا اليوم "ناسخ حديث" ويتخطى بارت عمدا سبب تسميته بالناسخ وأن هذا الجديد كائن (يلد في الوقت الذي يلد فيه نصه ) (كذا في النص ولعلها يولد) علة هذا الميلاد المتزامن بين النص وناسخه، عند بارت: (أن النص لا ينطوي، ولا بأي شكل كان، على كائن سابق أو لاحق على كتابته. .. ولا وجود لزمن آخر غير زمن التعبير.) هكذا يصير القبل والبعد في عملية الكتابة معدوما أو عدما، فلا وجود لفعل مادي أو معنوي يقع فيه. بل يخبرنا الساحر أن: (كل نص هو نص مكتوب بشكل أبدي "هنا" و"الآن" ) وكأن فعل الكتابة طفرة تخترق الزمن لنسجل أثرا في لحظة معينة، ثم يعود العدم بعدها لسيدل ستاره على المجال كله. ولا ينسى بارت أن يُكذِّب من سبقه، ويسفه اعتقاده، ويشكك في سلامة فهمه، في مسألة الكتابة فيضيف قائلا: ( لم يعد في مقدور الكتابة أن تدل على عملية تسجيل، وإثبات، وتمثيل، ورسم " كما كان يقول الكلاسكيون.") وهذا لعمري منتهى التهريج النقدي الحداثي ومنتهى السخرية بعقول الناس والأجيال.
(رولان بارت- نقد وحقيقة- موت المؤلف- ت. منذر عياشي- ص: 20- مركز الإنماء الحضاري 1994.)

يتبع..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،