يتحدث
بارت عن المؤلف فيقول: إنه (يقف مع كتابه موقف الأب من طفله، فهو سابق عليه وجودا)
وكأنه بذلك يسجل ما يعرفه الناس من علاقة الكاتب بما كتب، غير أنه يريدنا أن نهدم
هذا الاعتقاد هدما كليا، لأننا كنا واهمين طيلة عصور مضت في تصديق هذه العلاقة،
وأنها مجرد خرافة. فيقول: (عير أن الأمر على عكس من هذا بالنسبة إلى الناسخ
الحديث) وهنا يعمد الساحر إلى شيء من سحره، فيدفع بين أيدينا بلفظة
"ناسخ" ليضعها بدل كلمة كاتب فيبدأ الارتياب يحدث فينا أثره. وكأن
الكاتب الذي كنا نعرف صفاته، وآثاره، قد انتهى واندثر من الوجود. فالذي بين أيدينا
اليوم "ناسخ حديث" ويتخطى بارت عمدا سبب تسميته بالناسخ وأن هذا الجديد
كائن (يلد في الوقت الذي يلد فيه نصه ) (كذا في النص ولعلها يولد) علة هذا الميلاد
المتزامن بين النص وناسخه، عند بارت: (أن النص لا ينطوي، ولا بأي شكل كان، على
كائن سابق أو لاحق على كتابته. .. ولا وجود لزمن آخر غير زمن التعبير.) هكذا يصير
القبل والبعد في عملية الكتابة معدوما أو عدما، فلا وجود لفعل مادي أو معنوي يقع
فيه. بل يخبرنا الساحر أن: (كل نص هو نص مكتوب بشكل أبدي "هنا"
و"الآن" ) وكأن فعل الكتابة طفرة تخترق الزمن لنسجل أثرا في لحظة معينة،
ثم يعود العدم بعدها لسيدل ستاره على المجال كله. ولا ينسى بارت أن يُكذِّب من
سبقه، ويسفه اعتقاده، ويشكك في سلامة فهمه، في مسألة الكتابة فيضيف قائلا: ( لم
يعد في مقدور الكتابة أن تدل على عملية تسجيل، وإثبات، وتمثيل، ورسم " كما
كان يقول الكلاسكيون.") وهذا لعمري منتهى التهريج النقدي الحداثي ومنتهى
السخرية بعقول الناس والأجيال.
(رولان بارت- نقد وحقيقة- موت المؤلف- ت. منذر عياشي- ص:
20- مركز الإنماء الحضاري 1994.)
يتبع..
تعليقات
إرسال تعليق