التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تملات.. النقد والقراءة.. لكل نشاطه وخطابه في النص الأدبي ! مع رولان بارت.. يكتبها حبيب مونسي



كثيرا ما يقف الدارس المحقق المدقق اليوم في حيرة بين اصطلاحي "النقد" و"القراءة" أيهما أحق بالجود والاستعمال، وهل يجاور النقد القراءة مجاورة تكامل ومتابعة، أم أن القراءة تمثل جديدا طرأ على التفكير الأدبي وأزاح النقد من مكانه. فأضحت القراءة بذلك بديلا حداثيا يقدم توسعة لم يقدمها النقد من قبل؟ أم أن القراءة تتجاوب لفظا ووظيفة مع الطارئ الجديد الذي  حل محل الناقد ألا وهو "القارئ"؟؟ أم أن "النقد" و"القراءة" وظيفتان مختلفتان متزامنتان، لا تزاحم إحداها الأخرى؟ إنها أسئلة أخال أن كثيرا من النقاد العرب لم يلتفت إليها، وأساء فهما، وسارع إلى جعل القراءة بديلا للنقد، وكأنه يريدها لمرحلة جديدة في تعامل جديد مع النص الأدبي. يقول "بارت" : (إذا كان صحيحا أن العمل الأدبي يحتوي في بنيته على معنى متعدد، فلقد صار حقا عليه أن يجعلنا نفكر بوجود خطابين مختلفين فيه.) وكأن تعدد المعنى وحده يجبرنا على تمثل هذه الازدواجية الخطابية فيه. لأن التعدد لن ينتهي بحال من الأحوال إلى خطاب واحد، وإنما سينزع كل معنى إلى خطابه الذي ينسج من لحمته وسداه. لذلك يستطرد "بارت" قائلا أننا نستطيع أن نوجه عنايتنا إلى: (المعنى الفارغ الذي يحمل كل المعاني.) وكأننا سنعتبر النص يقول كل شيء ويسكت عن كل شيء في آن، فهو ملآن فارغ. أو أن نقصر اهتمامنا على: (واحد من هذه المعاني.) لنا أن نختار التعدد، ولنا أن نختار المعنى الواحد. ويحذرنا "بارت" قائلا بعد ذلك : (يجب أن لا يتم الخلط بين هذين الخطابين بأية حال من الأحوال، فهما لا يعملان على موضوع واحد، ولا يحيلان على مصداقية واحدة.) ومعنى ذلك ببساطة أننا إذا تعاملنا مع التعدد فلنا خطاب خاص، وأننا إذا تعاملنا مع المعنى الواحد فلنا خطاب آخر مختلف، ولا يجوز الخلط بينهما!! ولنا أن نسأل "بارت" لماذا هذا التمييز بين الخطابين؟ ولماذا يختلف الموضوع والنص واحد؟ ولماذا هذا التحذير أصلا؟ وللتخلص من هذه المعضلة يقترح "بارت" ما يلي: (يمكن أن نقترح اسم "علم الأدب" أو "الكتابة" ليكون اسما لهذا الخطاب العام. إذ إن موضوعه ليس المعنى المحدد، ولكنه التعددية.. ويمكن أن نقترح اسم "النقد الأدبي" ليكون اسما لذلك الخطاب الثاني الذي يجعل قصده المعلن في المعنى الخاص الذي يعطيه للعمل.) فنحن إذا أمام "كتابة" أداتها "التأويل المنفتح، والمعنى الفارغ" و "نقد" مهمته المعنى الواحد ومقاصده. ويقرر "بارت" أخيرا على عادته في الفصل الحاسم قائلا: (وجب الفصل بين قراءة العمل ونقده: ونلاحظ أن الأول مباشر، وأن الثاني تتوسطه لغة وسيطة، هي الكتابة النقدية.) مباشر، بمعنى أن القارئ يقبل على المعنى الفارغ فيصب فيه ما يشاء، أما الناقد فيحمل معه لغته الناقدة بموروثها النقدي. لذلك نجد "بارت" يختم   بحسم شديد قائلا: (ثمة كلمات ثلاث، يجب أن  نجوب أرجاءها لكي نجدّل حول العمل تاجه اللغوي: العلم، والنقد، والقراءة..)
(رولان بارت- نقد وحقيقة- موت المؤلف- ت. منذر عياشي- ص: 88- 89- مركز الإنماء الحضاري 1994.)

يتبع..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،