التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تملات.. الكتابة هدم... كيف يموت المؤلف.؟ مع رولان بارت.. يكتبها حبيب مونسي




( الكتابة هدم لكل صوت، ولكل أصل. فالكتابة هي هذا الحياد، وهذا المركب، وهذا الانحراف الذي تهرب فيه ذواتنا. الكتابة هي السواد والبياض، الذي تتيه فيه كل هوية، بدءا بهوية الجسد الذي يكتب. لقد كان ذلك كذلك دائما من غير ريب.) حينما يقرأ العربي مثل هذا القول الذي وضعه صاحبه تحت عنوان كتاب له (نقد وحقيقة) يقف في حيرة وريبة. فهو أمام علم من أعلام النقد الحديث، وناطق باسم الحداثة يدرك جيدا ما يقول وما يكتب. وهو في المقابل أمام فعل الكتابة الذي يعلم أنه لا يتأتى لأحد من الناس إلا عن طريق التراكم المعرفي الذي حصّل عليه من خلال معاشرته للنصوص وحفظها وتدارسها.. فكيف تكون الكتابة هدما؟ هل عليه إذا أراد أن يكون مبدعا أن يهدم ما أنجزه السابقون ليفسح لنفسه مجالا يصب فيه كتابته؟ وهل ينتظر من آت بعده أن يكنس الأرض من تحت قدميه لينشئ كتابته هو الآخر؟.وهل عليه أن يُسكتَ كل الأصوات التي سبقته ويمحو أثرها من نفسه -على الأقل- ليسمع صوت نفسه في خلوته؟ ثم لماذا هذه الكلمة القوية كلمة "الهدم"؟ هل ما أسسه غيره لا يستحق من تقدير سوى هذا الصنيع العنيف الذي يدك ما شُيّد وما بُني من قبل حتى وإن اعترف له الذوق في زمن معين بالجودة والإفادة؟. قد نتجاوز هذا الأمر قليلا ونَقبل بأمر الإبداع أنه مزاحمة للكائن الموجود، ولكن كيف نقبل أن الهدم سيطال الأصول كذلك؟ ونحن ندرك أن الفنون لن تقوم لها قائمة تجنيسية إلا من خلال هذه الأصول حتى وإن ابتعدت عنها أو استدبرتها في أعمالها التجريبة؟ ف (كل) تعني الاستغراق والشمول.. فليس في أذهان هؤلاء ما يتركونه قائما شاهدا، بل في أذهانهم ما يشبه الخراب والأرض المحروقة.. ثم لا نعرف كيف سيكون هذا الفعل حياديا؟ وتجاه من سيكون كذلك؟ وقد أُعلن الهدم في جميع الآتجاهات وفي جميع الأصول؟
(رولان بارت- نقد وحقيقة- موت المؤلف- ت. منذر عياشي- ص: 15-16- مركز الإنماء الحضاري 1994.)

يتبع..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،