التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لرواية الجزائرية والدرس الأكاديمي.. كتبه حبيب مونسي



http://arb.majalla.com/wp-content/uploads/2013/06/20100422240.jpg

كثير ما يتهم الدرس الأكاديمي بعدم اهتمامه بالرواية الجزائرية الجديدة، وأن درس منغلق على مقاماته التنظيرية، ولا علم له بما يجري في الساحة الأدبية التي تضج بالجديد، مما يكتبه جيل متحمس للكتابة الشعرية والنثرية، وأنه في نشاطه ذاك يترقَّب متابعة نقدية تثمن اجتهاده، وتوجه تجريبه، وتعطيه حقه من التقييم والاستحاسن.. وهذا لعمري مطلب حق، يجب أن يظل قائما في أذهان المبدعين من الشباب، وأن يجدوا فيه تجاورا ثقافيا يمكِّنهم من معرفة الدرجات التي يبلغونها في صنيعهم الفني. غير أنني في هذه الكلمة لا أسعى إلى دفع التهمة عن الأكاديمي الذي أستحثه للمشاركة في هذا الحوار الثقافي والمعرفي المتعلق بالأدب والفن، والخروج من المدرجات إلى الساحات الثقافية لإبداء الرأي، وطرح الفكرة، وتقييم التجربة. ولكنني أريد التذكير بإطار تاريخي مرت به الجامعة الجزائرية، وتأثر به البحث الأدبي تأثرا جعل الدرس الأكاديمي يتأخر عن متابعة الجديد في الساحة الأدبية الجزائرية.

لقد بدأ التأطير في الجامعة الجزائرية مشرقيا في جملته، حينما اعتمدت الجامعة على عدد كبير  من أساتذة مشرقيين، وفدوا إلى الجزائر بعد الاستقلال للمشاركة في إنشاء وتأطير المدرسة والجامعة الجزائرية. وكان من الطبيعي أن يفدوا ببرامجهم، وتوجهاتهم الفكرية والفنية، وأن يستمروا في ما كانوا عليه من رؤية وفهم، وأن يجعلوا نصوص إجراءاتهم التطبيقية مشرقية كذلك. فكانت الدراسات في مجال الرواية والشعر في الجامعات الجزائرية دراسات تتجه صوب المشرق في التنظير والتطبيق، ومن ثم حضر الروائيون المشارقة إلى جانب الشعراء والمفكرين المنظرين.. واستمر الوضع على ذلك الحال إلى غاية أواسط السبعينيات حينما ظهرت نصوص روائية جزائرية في جداول الدراسات الأدبية باحتشام شديد، ولم تتمكن من تثبيت نفسها إلا في أواسط الثمانينات حينما تراجع المد المشرقي، وتخرج أساتذة جزائريون استلموا كراسي التدريس، وعاد آخرون من المشرق بشهادات عليا ليشاركوا إخوانهم في صفوف التدريس.. غير أن الرواية المشرقية ظلت حاضرة في تكوينهم المعرفي، فواصلوا دراستها في صفوفهم إلى أواسط التسعينات وإن قوي حضور الرواية الجزائرية التي كتبها الجيل الأول من الروائيين.
ولا تزال الرواية المغربية، والتونسية، والليبية هي الأخرى، تزاحم الرواية الجزائرية في جداول الدراسات الأدبية، لما يدعمها من دراسات أنجزت عنها في المجلات المختصة، وما نشر عنها من كتب في المشرق والغرب. فمادتها المرجعية حاضرة متوفرة على خلاف ما كتبه جيل التسعينات ومطلع القرن الجديد. الذين لا يزالون ينتظرون من يلتفت إليهم. وهم لا يعلمون أن الدرس الأكاديمي محكوم بهذا الإرث المدرسي الذي يقيده إلى تقليد متأصل من قبل. لهذا السبب تراهم يعجبون من عدم اهتمام الدرس الأكاديمي بهم، وتراجعه عن مرحلتهم، وتكراره لمقولات نقدية قديمة. يرون إنتاجهم القائم على التجريب قد تخطاها من زمان بعيد. إنه الأمر الذي يفسر التعارض القائم بين ما يسعون إليه في كتاباتهم، وما يجده الدرس الأكاديمي في أوراقه النقدية التي لا تزال تسائل الرواية الواقعية، والرومنسية، والأيديولوجية.. أو يلتمس رؤيته الإبداعية من نظريات تعود إلى مطلع القرن العشرين في أحسن الأحوال.
إنه الوضع الذي يدفعني إلى أن أذكِّر هؤلاء بأن إحلال الرواية الجديدة في جداول الدرس الأكاديمي لم يكن أمرا سهلا هينا، ومن دون معارضة التقليد الذي ذكرته من قبل، لخلو هذه الروايات والدواوين من دراسات تسندها، حتى يقبل عليها الطلبة في مشاريعهم للماجستير  أو الدكتوراه. فالإقبال عليها يُعد انطلاقا من فراغ، وقفزا في الظلام، ومغامرة محفوفة بالمخاطر، لأن الكاتب فيها سيكون حتما عليه أن يبدع رؤيته، ومعاييره، وأحكامه، وأن ينحت قبل ذلك منهجه من صخر أصم.. فالتقليد المكرس من قبل، يقدم دروبا مطروقة، ومناهج مأمونة، وأحكاما متفق عليها... لذلك كان إحلال الرواية الجديد في الدرس الأكاديمي مهمة صعبة جدا.. كان علينا أن نقنع الطالب ونزيل مخاوفه أولا. ثم نقنع الأساتذة المشرفين ونشرح ضرورة خوض هذه المغامرة، في ظل عناوين تنشر هنا وهناك. وليس من ضامن أدبي وفني أنها روايات ودواوين.. وأن أصحابها يمتلكون حسا أدبيا يرشحهم لأن يحملوا هذه الشارة أو تلك.
لقد بدأت الجامعة الجزائرية اليوم ترشح عددا كبيرا من النصوص الجديدة للدراسة، سبقتها محاولات نقدية كتبها عنها أساتذة، استنادا إلى مناهج مختلفة نُشرت في مجلات مشرقية، ومغربية، وجزائرية. فشكلت بذلك الرافد المرجعي الأول للدراسات الأكاديمية الجادة.. ربما كانت وتيرة التحول بطيئة نوعا ما، إلا أنه تحول ملحوظ في كافة الأقسام والكليات، والدوريات، والكتب الخاصة.. وأن التشكيك في فعالية هذا النشاط لن يخدم الرواية الجزائرية، ولا الشعر الجزائري. وأن العداوة المفتعلة التي يروج لها بعض الفاشلين بين المبدع والناقد، والتقليل من شأن الباحث الأكاديمي وعلمه، لتفضح جهل هؤلاء وكساد مادتهم، وخيبتهم الأدبية.

تعليقات

  1. أشارككم الرأي أستاذ ،لاحظت من خلال الاعمال انههم دائما يريدون اضافة اللمحة المشرقية في اوصافهم ،لكن الحمد لله الفئة الشابة الآن لديها ابداع خاص و أفكار نيرة مختلفة ... أسأل الله ان يعيننا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،