التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طبيعة العرض القرآني.- بقلم: حبيب مونسي



1-تقديم:

يدرك الدارس جيدا أن المهمة التي يرومها في الصفحات المقبلة، مهمة خطرة، بالغة الأهمية في الآن ذاته. لأنها مهمة تسعى إلى تأسيس ضرب من التنظير، تستخلص مادته من القرآن الكريم، لتتحول به إلى الأدب في عمومه، وإلى الفعل السردي في خصوصه. فهدفها ذاك يجعلها ترى في العرض القرآني للنماذج مادة يمكن الاستفادة منها فنيا وأدبيا، وراء الاستفادة الدينية القائمة على التعبّد. وتتجلى حدود ذلك المرمى لديها في الرغبة التي تحاول سد الثغرات التي أشار إليها الفصل الأول في بحثه عن النموذج وعن الشخصية. وهي تدرك أنه قد بات مقررا عليها الساعة أن تعيد تعريف النموذج، تعريفا يبتعد قليلا عن التصورات التي تحدثتْ عنه من قبل، ليكون النموذج هذه المرة تصورا يقع خارج الزمان والمكان.


إن وقوع النموذج خارج إطاري الزمان والمكان، لا يعني أبدا أنه غير فاعل في الواقع، وغير مرتسم فيه فعلا وصورة، وإنما يعني الخروج عن الزمنية والمكانية، الاستمرارُ، وإن تعددت الأمكنة والأزمنة، وتبدلت الأحوال، واختلفت الحيثيات.. ذلك أن صورته في التصور النهائي تحافظ على أطر عامة واحدة تمثل الثابت في النفس الإنسانية، وتسمح للمتغير فيها بتلوين الخلفيات الزمانية والمكانية التي يقف فيها النموذج. هذه الخاصية فيه، يأخذها النموذج القرآني من طبيعته هو أولا، إذ هو الكتاب الثابت المهيمن على الكتب كلها، الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فالمادة المعروضة فيه باقية على جدتها مهما تطورت الأشكال الحياتية للبشر، ومهما اعتراهم من مسخ وتشويه. فهي في داخليتها واحدة أبد الدهر.

إن النموذج القرآني يحتفظ بذلك الجزء الثابت القار منها، يعرضه على الأجيال المتتالية عرضا يتسع لكل الأفهام، ويستغرق كل الصور الماثلة في الواقع المعاش.

لقد رأينا من شأن الأسطورة والرواية، الدوران مع المستجد زمانيا ومكانيا، ورأينا في النماذج ذلك التأرجح بين قطبين: قطب الجبرية العلوية التي تتسلط بها الآ لهة على رقاب البشر، وقطب الجبرية الأرضية التي يتسلط بها الواقع على الجموع الساعية وراء لقمة العيش. فالنموذج سواء أكان بطلا أو شخصية، لا يتحرك انطلاقا من صميم إنسانيته الحقة، وإنما يتحرك وفق إرادات مملاة عليه من الخارج. بيد أن النموذج القرآني حر في اختياره.. حر في تقرير مصيره.. ليس عليه سلطان يجبره على الرضوخ إلى إرادة خارجية.. إننا نراه يختار ويقرر.. يختار الإيمان فيندرج ضمن منظومة من القيم واضحة التعاليم، بيِّنة الأهداف. أو يقر الكفر فيتأطر بسلوك فيه كثير من العنت والمكابدة. فما كان يشغل النموذج الأسطوري والروائي الملتصق بالأرض لم يعد يشغل النموذج القرآن الذي يبحث عن سبيلين: سبيل التجانس مع الكون عبودية ورضا، أو يختلف معه إنكارا وكفرا.

قد يكون من طبيعة النماذج في الأعمال الإبداعية على مختلف ألوانها وأهدافها، أن تظل "مسطحة" تبنيها القراءة أثناء متابعتها للمكتوب فيما يشبه المسح الأفقي المتدرج. غير أن هذه الصورة التي تنشئ الشخصية غالبا ما تكون مشوشة لا تتبع سبيلا واحدة، وإنما تتكشف تباعا مع السرد. وهو الأمر الذي يترك في البناء فجوات يعسر على القراءة أن تجد  لها صورة واحدة لدى الجميع، ومن ثم لن يكون النموذج واحدا أبدا لدى شريحة واحدة من القراء، بل يغدو عددا تتولاه الأهواء بما يناسبها من صور وأشكال.

تلك الفجوات التي قد تكون في الشخصية الروائية مدعاة للتدبر والانفتاح على المعاني المتباعدة، لن تكون في النموذج إلا عيبا وانتقاصا. لأنه يجب على النموذج أن يكون تاما كاملا منذ البدء. إذ ليس على شكله سيقع التساؤل والاستفهام، وإنما يقع كل ذلك على مواقفه الفكرية والقلبية. فهو لا يمثل شكلا تنصرف إليه الأنظار وتلتفت إليه الرقاب، وإنما "ظاهرة" مرتبطة بموقف عقدي، تتجاوزه إلى التلقي. إننا لن نشاهد فيه هذا الرجل أو ذاك، ولا هذه المرأة أو تلك، وإنما نشاهد المواقف وهي تتشكّل إزاء معتقد محدد يرتبط به جميع السلوك المتصل بالدنيا وشواغلها. فلسنا ننتظر مع النموذج القرآني أن تسفر الجولة عن إيمان أو كفر، وإنما ننطلق في رحلتنا مع الإيمان أو الكفر فنرى ارتسام آثارهما في السلوك والحياة.

إنها رؤية معاينة للنموذج:« لأن طريقة التصوير القرآنية لم تدعه وعدا يوعد، ولا مستقبلا ينتظر؛ ولم تدعه عبارات تسمعها الآذان أو تقرؤها العيون. إنما حركت به المشاعر، وجسمته واقعا اللحظة، تسمعه الآذان، وتراه العيون »([1])وكأن النموذج القرآني قد جُرِّد لينتهي إلى البنيات الأصلية فيه فقط، من غير أن يلحقها شيء يربطها بإحداثيات الزمان والمكان. فهو في أصليته يتجرد إلى حدود العنصر الخالص أولا ليكشف عن سنن الله التي أودعها في الناس كافة، مهما اختلفت الأجناس واختلفت الأزمنة. وسنكون حينها أمام النموذج الذي يترفع عن الزمنية والمكانية ترفعا يجعله مثلا شرودا في التاريخ، تجد فيه الأجيال مادتها التي لا تنضب. يتصبَّب منها فيض المعاني التي تواكب التطورات التي تعرفها البشرية، في تقلبها بين الهدى والضلال.

وإذا كنا نقرر دوما بأننا ننزه القرآن الكريم أن يكون كتاب قصص وأخبار، فإننا نستأنس بطريقته في عرض النماذج التي يمكن الاستفادة منها في تأثيث الفعل السردي في الرواية، وإخراجه من أزمة الشخصية التي انتهت إلى الزوال والموت. فإذا كانت الرواية تقدم لنا الشخص الذي نصادف في الشارع والمكتب، ولا يختلف عنا في قليل أو كثير، فإن القرآن الكريم يقدم لنا النموذج الذي يتكرر فينا هداية وضلالا. إنه يجسد لنا أقصى حالات الإيمان وأقصى حالات الكفر، وما بينهما من شك وريبة. وكأن القرآن الكريم ينصب على مسار الهداية والكفر، نقاطا وسطى تتذبذب فيها الذات بين شك ويقين. وإذا كنا نساير الشخصية الروائية في جميع لحظاتها ولا نعلم تقلباتها إلا حين تفاجئنا، فإننا مع النموذج نبدأ الرحلة ونحن نعلم خط السير الذي سلكته. فيكون لنا من ذلك تخصيص للدلالات والمعاني التي تدور في منظومة واحدة من الفكر والسلوك.

2-التصنيف الثلاثي للناس:


عندما نباشر القرآن الكريم مصحفا، نصادف بناء عجيبا استقر عليه القرآن الكريم بعد انتهاء الوحي ومراجعة جبريل u للنبي r. فللكتاب "فاتحة" تتلوها أول سورة، تتحدد فيها طبيعة هذا الكتاب:]ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ[(البقرة 2) وكأنها التنبيه الذي يقطع الطريق أمام كل الشكوك والرِّيب التي قد تنتاب المقبل على تلاوته ومدارسته. وهو المعطى الذي يؤسس معرفة الصدق واليقين في كل ما يخبر، ويروي، ويشرّع. إنه التنبيه الذي يضع المتلقي في وضعية الإذعان لصدق المصدر. وهو بذلك يزيل عن الفكر شطر الظن، ليفسح المجال أمام كلية اليقين. فليس فيه ما هو قابل للمراجعة والتشكك، وإنما ما فيه رهن للعمل والتدبر.

هذه الحقيقة التي نستقر عليها ابتداء، تجعلنا نجهِّز في أنفسنا قابلية التلقي الصافي الذي يصرف كافة طاقاته، ويجيِّش كامل قدراته للاستفادة مما يتبادر إليه من معاني وعبر ودروس. مستفيدا من فيض التجارب التي انتهت إليه من الدارسين قبله، متطلعا إلى فتح جديد، يجد مادته فيما يعانيه من أحوال ومواقف. لذلك تستمر هندسة البناء في الكتاب –بعد هذا التنبيه- إلى تقسيم الناس إلى ثلاثة أصناف:

-المتقون:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة

5]الكافرون:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)} [البقرة : 6 - 7]

-المنافقون:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)} [البقرة : 8 - 16]

وحالما ينتهي التصنيف الثلاثي يلتفت القرآن الكريم إلى قضيته الأساسية، إلى الناس كافة:]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21)[ (البقرة) وكأن الحق سبحانه وتعالى يضعنا أمام ثلاثة خانات أساسية، تصب فيها أصناف الناس على الرغم من اختلاف الدرجات بينهم إيمانا وكفرا، شكا ويقينا، لنعلم أننا أمام تصنيف يتناول السيمات العامة المشتركة بين عناصر كل صنف، فما يصدق على الواحد منهم يصدق على الجميع. ومن ثم، فإننا حين نعالج نموذج المتقي فإننا لا بد أن نصادف فيه:

- الإيمان بالغيب.

- إقامة الصلاة.

- إيتاء الزكاة، والإنفاق.

- الإيمان بما أنزل على الرسول r. والإيمان بما أنزل من قبله.

- الإيقان بالآخرة.

فمن استجمع هذه الصفات في نفسه كان على هدى من ربه، فقد أفلح.

غير أننا حين نتجاوز هذا الإطار إلى الحالات الفردية، فإنه من الحتمي أن نصادف تنوعا بين الأفراد، وتفاوتا في الدرجات، واختلافا في أنماط الاعتقاد. بيد أنه التنوع الذي يعطي للإطار حيويته، فيتسع لأصناف المتقين من الناس. يتجاوبون في تقواهم مع مواقفهم الخاصة من أنفسهم وبيئاتهم. وإذا وضعنا لكل صفة من الصفات سلما مدرَّجا، ورحنا نقيس عليه سلوك الأفراد، لرأينا كيف تختلف التدرُّجات من ذات إلى أخرى، وكيف تكون الصلاة عند هذا أبلغ تأدية من عند ذاك، وكيف يكون الإنفاق متفاوتا بين الواحد والآخر. وقد ساق القرآن الكريم نماذج المتقين قسمة بين الأنبياء والمؤمنين. فللأنبياء صنفهم، وللمؤمنين أصنافهم الأخرى التي تتراوح في الدرجات بين الارتفاع والانخفاض. غير أن ما يتمثل في الأنبياء إنما هو القدوة والمثل الذي يجسد الكمال الإنساني في السلوك والاعتقاد. وكأن مصير المؤمن أن يجتهد في الارتقاء والتطهر ليجسد في نفسه صورة المؤمن المعتقد العامل.

وإذا راقبنا كيفية تعامل القرآن الكريم مع الأصناف الثلاثة، وجدناه يحدد صفات المتقين من غير بسط، وكأنها من قبيل المتفق عليه الذي لا يحتاج إلى تفصيل. وكذا الأمر بالنسبة للكافرين الذي سدُّوا منافذ ا لهداية والرشاد في أنفسهم أولا، فسدها الله في قلوبهم. بيد أن الحديث يطول عندما يتعلق الأمر بالفئة الثالثة: فئة المنافقين، لأنهم يمثلون الضرر كله الذي يفسد على الناس معاشهم، ويكدر صفوه. لأنهم يحملون في أنفسهم بذرة الفساد، يخفونها عن غيرهم، ويزرعونها في بيئاتهم. لذلك كان البسط في شأنهم تعرية لحقيقتهم التي تتفرع منها كافة الحقائق التي يجسدها القول والعمل.

قد يكون في ارتباط مصطلح "النفاق"، والتسمية "المنافقون" بهذه الفئة، انصراف إلى الجانب الديني لدى أولئك الذين يفرقون بين الدين والحياة، وكأن التديُّن أمر شخصي لا علاقة له بالحياتي اليومي. لذلك انحصرت دلالة النفاق في إطار ديني: بمعنى إظهار الإيمان وإضمار الكفر. وأن هناك نفاق آخر، هو معاملة الناس من وراء أقنعة متعددة. غير أن هذا الوعي بعيد عن الصواب مجانب للفهم السليم للدين. فإذا كان "النفاق" و"المنافقون"اصطلاح جدّ على الحياة الإسلامية في المدينة المنورة، لغلبة المسلمين عليها، واندحار الكفار ومن والاهم من المشركين واليهود، فإن الدلالة التي اكتسبها المصطلح، اتسعت من مجرد الإيمان أو عدمه إلى الإفساد في الأرض، وإضمار الشر لأهل الصلاح مطلقا.

ذلك هو البعد الجديد في الدلالة التي ألحقت بالمصطلح، واتساعه ليشمل طائفة جديدة، تتحرك في طيات المجتمع من أجل نشر الفساد، وخلخلة البنية الاجتماعية، والتشكيك في القيم. وكأن الطائفة في فعلها ذاك، تنقم على الواقع ما آل إليه، وتجتهد في تقويض الأسس التي أضحت أكثر قوة ومتانة مما كانت عليه. إنها جبهة تتحرك في السر والعلن، مستثمرة ما تملك من قوة ودهاء، من أجل غايات مبيتة تتجاوز الأذى الفردي إلى الأذى الجماعي..

غير أنه من الممتع حقا تتبع التطور الدلالي الذي رافق هذا المصطلح حين ولادته أولا، ثم انتشاره ثانيا. لقد كان المصدر الذي اشتق منه الاسم يشير إلى دويبة تحفر في الأرض أنفاقا  لها، تتقي بها شر كل طارق. والمصطلح حين يشير إلى الفرد إنما يشير إلى هذه الحالة من الالتفات إلى الذات فقط. وكأن المنافق أول الأمر كان يدفع عن نفسه بهذا السلوك الذي يعدد في المداخل والمخارج، بغية النجاة بجلدته وحسب. ولم يكن في التسمية أول الأمر إضمارا لشر أو تبييتا لخيانة. لذلك نجد أهل اللغة يبدؤون من هذا المعنى أولا. قال القرطبي في تفسيره:« قال علماء اللغة  إنما سمي المنافق منافقا لإظهاره غير ما يضمر تشبيها باليربوع له جحر يقال له  النافقاء وآخر يقال له  القاصعاء. وذلك أنه يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهر الأرض أرق التراب. فإذا رابه ريب، دفع ذلك التراب برأسه فخرج فظاهر جحره تراب وباطنه حفر. وكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر.» ([2])والملاحظ في سلوك اليربوع أنه تصرف غريزي لدفع المضرة عن نفسه وحسب. فهو لا يفكر في الإيقاع بغيره، والكيد به. وهو تصرف ذاتي يعزى إلى آلية الدفاع عند هذا الحيوان. كما أن تعدد أقنعة المنافق في مبتدى الأمر، يستجيب  لهذا المعنى استجابة المطابقة والتماثل، وتأرجحا بين إظهار وإخفاء.

بيد أن الواقع الذي ولَّد الظاهرة لا يزال يدفع إلى الساحة بعدد من المواقف والمواجهات، يتحرك فيها المنافق من الذاتي إلى الجماعي، إذ يلوذ بمن هم في مثل اعتقاده ورأيه. يباد لهم الفكرة، ويشاطرهم الرأي. فتتشكل من اجتماعهم طبقة، تجد نفسها في الصفوف الأولى من المواجهة. بين من أعلنوا صراحة كفرهم وعدوانيتهم، وبين من يحملون رايات الإيمان في الدين الجديد.

إنها الوضعية التي فرضت على المصطلح أن يحبل بدلالات جديدة يتسع  لها ليغطي الواقع ومتطلباته. ومن ثم راح الفهم الجديد للنفاق، يبتعد عن فعل اليربوع الغريزي إلى وعي بواقع يتحول إلى وجهة لا تخدم مصالح المنافقين، لا الذاتية منها ولا الجماعية، ومنه كانت الدلالة الجديدة عند ابن كثير هي أن:« النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر. وهو أنواع اعتقادي: وهو الذي يخلد صاحبه في النار وعملي: وهو من أكبر الذنوب.»([3]) فليست المسألة بعدُ تتعلق بمداراة الخطر الذي تتوقاه الذات، وإنما تطور الأمر إلى "إظهار الخير"و"إسرار الشر"وهو المعنى الذي ينتقل بالدلالة من الموقف السالب إلى موقف الفاعل الذي يختار أبشع الطرق لإنجاز فعله. ذلك أنه يتقدم بوجه الخير إلى فعل الشر. وهو تمويه بالغ الفتك، وتلوُّن عميق الأثر في المجتمع.

لقد أخلط هذا المعنى المستجد على الناس إدراكهم لمعنى النفاق الذي أبقوة في دائرة الإيمان الأولى ولم ينتبهوا إلى التطور الدلالي والعملي الذي أضحى منوطا بالمصطلح. فليس هناك شطر ديني وآخر مدني، وإنما هما الحياة كلها كما يحياها الفرد خيِّرا أو شريرا. إن ابن كثير دقيق في وعيه للحمولة الدلالية الجديدة للمصطلح حين يقسمه إلى نوعين: اعتقادي وعملي. فالاعتقاد ينتهي بصاحبه إلى النار خالدا فيها، والعملي ينتهي بالمجتمع إلى خراب أكيد. وذلك لسبب بسيط. قال ابن جريج:«المنافق يخالف قوله فعله، وسره علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه.»([4]) وتلك أبلغ حالات التنكر والتمويه التي تزرع في المجتمع بذور الأمراض الفتاكة. تدخل عليه بآيات الصلاح بوجه، وتعيث فيه فسادا بأوجه أخرى تتقطَّر منها سموم الحقد والضغينة. لأن النفاق في مظهره الجديد مقرون أبدا بالحسد، وتمني زوال النعمة. فالذي يتبدى في تلك المظاهر المتناقضة، لا يأتيها من أجل صرف النظر عن ذاته، وإنما يأتيها لأنها تمكنه من الاقتراب من ضحاياه ليحسن الفتك بهم. ولا يفعل ذلك بهم لأنهم يهددون وجوده، وإنما يفعل فعله لأنه يعجز أن يكون مثلهم، فيغبطهم أولا، ثم يحقد عليهم ثانيا.

إن حركة الاقتراب من الضحية، تلفتنا إلى اصطلاح آخر في الآية الكريمة، إنه "الخدع" فالتلون الذي يتعارض فيه المظهر والمخبر، والسر والعلانية، والقول والعمل، لا بد ناتج عن ضرب من الفساد في الذات، يرهقها في تقلبها بين ثنائيات التناقض كلها. والمتفحص للغة العرب، يجد في اللفظ إشارة إلى هذا الضرب من السلوك. قال القرطبي:« قال أهل اللغة: أصل الخدع في كلام العرب الفساد. حكاه ثعلب عن أبن الأعرابي.»([5]فالمنافق يخادع لأنه يعاني من فساد.. فساد يفضي به إلى إضمار الشر وإظهار الخير، والسير بين الناس بغية الإيقاع بهم، وتقويض ما هم عليه من اعتقاد وعمل. إن الفساد يأتيه من نكران ما هم عليه، وتمني زوال ذلك عنهم، وذلك هو الحسد. وقد سمى الله U هذا الفساد مرضا يفتك بالمنافق فيدخله النار. إنه الربط الذي انتبه إليه القرطبي في تفسيره حين يقول:« ..والمرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائدهم. وذلك إما أن يكون شكا ونفاقا، وإما جحدا وتكذيبا. والمعنى قلوبهم مرضى لخلوها عن العصمة، والتوفيق، والرعاية، والتأييد. قال أبن فارس اللغوي: المرض كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة، أو نفاق، أو تقصير في أمر.»([6]) واللغوي لا يفرق بين علة تصيب البدن وعلة تصيب القلب، وأخرى تصيب العمل. وكل اعتلال في هذه الأطراف الثلاثة مرض فاتك، يودي بحياة الأفراد والمجتمعات.

إننا حين نعاين الوعي الإسلامي القديم فيما يتعلق بالاصطلاح نعجب من عدم تفريقه بين المادي والمعنوي. وكأن المسلمين -في فهمهم للحياة- لا يجدون مبررا للتمييز بين هذا وذاك، وأن الإنسان وحدة في سلوكه واعتقاده وتدبيره. والسوي هو الذي تستقيم عنده هذه الوحدة في تجانس تام. بيد أننا اليوم –في خضم الضياع في التجزئة- نبضِّع الذات إلى أشلاء نعجز بعدها عن فهم أبعاد سلوكها. لقد صرنا نرى المرض اعتلالا في أحد الأعضاء وحسب، ولم يتسع وعينا لإدراك التقصير في المسؤوليات على أنه اعتلال ومرض. وحين نكتب الرواية، ونقدم الشخصيات المختلة في سلوكها واعتقادها، نقدمها من خلال مصطلحات فارغة من الدلالة، بعيدة عن الفهم البسيط الذي يقدمه لنا اصطلاح "المرض". فإذا أطللنا على المجتمع من هذا الاصطلاح لرأيناه مكتظا بالمرضى، عامرا بالمعتوهين.

قد لا يستقيم لنا الحديث عن فئة المتقين – أو غيرها من الفئات- إذا نحن سلكنا سبيل الكتابة الدينية، التي تستهدف التعريف بالمتقين. فلا يكون لنا من ذلك العرض سوى تكرار الرؤية ذاتها، وإنما غرضنا في الاقتراب منها، ومحاولة خلق إطار عام يشمل سيمات هذه الفئة أو تلك، فتعرف من خلال المشترك العام الذي يجمعها.

فإذا استوت لنا هذه الرؤية، تمكنا أخيرا من إقامة توصيف يستفاد منه في مجال التعرف على أساليب العرض التي اتبعها القرآن الكريم في التقديم للأجيال المتتالية. فيكون بذلك الإطار الذي يتسع لحركة الإنسان في الكون، بعيدا عن تأثير الزمان والمكان. لأنه النموذج الحي الباقي، حتى وإن اختلفت الأشكال والألوان، وتعددت الأزمنة والأمكنة. ذلك لأننا حين نقرأ قوله تعالى:]الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(5)[ (البقرة) نلمح في العرض القرآني ترتيبا ذا خصوصية يتصل أساسا بحقيقة هذه الفئة، وبإطارها العام. فالعرض القرآني يذكرهم ثلاثا: الذين أولا.. الذين ثانيا.. ثم النتيجة أولئك.. وكأن الشطر الأول من الوصف يختص بحقيقة لا بد لها أن تمايز الحقيقة الثانية. إنها في الوصف الأول: إيمان بالغيب، وإقامة للصلاة، وإنفاق من أرزاق. وفي الثانية: إيمان بما أنزل حديثا وقديما.. ثم إيقان بالآخرة.. وكأن الشطر الأول من الوصف موقوف على الذات الفردية وحدها إيمانا بالغيب، وتعبدا بصلاة، ونفقة. وهي أمور أكثر صلة بالفرد فيما بينه وبين نفسه وربه. أما الثاني فمرهون بالجماعة كلها اعتقادا وإيقانا.

إننا حين نقترب على هذا النحو من العرض القرآني نلمح اعتقادين: اعتقاد فردي وآخر جماعي، يتمِّم أحدهما الآخر لتكون النتيجة: ]أولئك على هدى[..]أولئك هم المفلحون[.. إن الفرد حين يتِّم الجانب الذي يخصه، يتحرك إلى الجماعة ليُتِّم جانب الفئة (المتقين). غير أننا نلاحظ في هذا العرض أمرا آخر في سلم الأولويات. لأننا نلحظ تدرجا من الفرد إلى الجماعة، وليس العكس. فالفرد هو اللبنة التي تؤسس الفئة، وليس العكس. إن الفئة تحتضن –بعد تشكُّلها- الفرد، فيجد فيها ا لهدى والفلاح. إنها السور الذي يمنحه دفء الانتماء.

3-طبيعة النموذج في القرآن الكريم:


تهدف فكرة النموذج أساسا إلى تكوين تصور ثابت للإنسان مجسدا في فرد من الأفراد في هيئة من ا لهيئات المادية والمعنوية. وما نريده من ا لهيئة، هي تلك الحالة التي تمكِّن القارئ من الوقوف على حقيقة جوهرية في الإنسان، يرفعها شخص من الأشخاص في موقف من المواقف، مستندا إلى وعي أو سلوك. ومن ثم يكون النموذج حقيقة قارة تتخطى الزمان والمكان لتصب في الإنساني مباشرة. فإذا كنا نجد في السرد الروائي والقصصي من يحلو له تصنيف الأبطال المشهورين أديبا في خانات النماذج الإنسانية، كأن يكون هذا الشخص نموذجا للبخيل، وذاك للمسرف، وآخر للبطل المغوار، ورابع للمجرم.. وكلما كان الحديث عن النماذج سهل استدعاؤهم للتمثيل والتدليل، فإن للقرآن الكريم سبق في تأصيل هذا الضرب من التبليغ، لأنه الكتاب الذي أنزله الله U هداية للبشر على اختلاف أزمنتهم وأجناسهم، فهو يحفل بهذه النماذج التي تقدم الحقائق الجوهرية في الاعتقاد والسلوك. ينتزعها من الواقع ليقدمها في ضعفها وقوتها.. في شدتها ورخائها.. في يقينها وجهلها.. في إيمانها وكفرها.. في عدلها وجبروتها.. في كل ما يعتريها من حالات التطرف والاعتدال، لتكون مثلا شرودا في الزمن، يتكرر في الأجناس كلما تكررت الحال المستدعية للنموذج. ومن ثمة فإننا حين نقرأ عن "قارون" – مثلا- تتبادر إلى أذهاننا صور من – "قارونات"– العصر، قد لا تتسع لتملأ مجال النموذج القرآني، وإنما تأخذ منه بعض المعاني التي تؤول بنا سريعا إلى "قارون" الأول، حتى نأخذ منه النهاية التي انتهى إليها، والعاقبة التي آل إليها، بعد الغرور الذي دفعه لمحاولة الاستغناء عن الله U في الرزق والعلم. فكل حركة تحركها "قارون" في العرض القرآني، وأخبرنا بها الله U قد تتجسد فيمن يشبهون النموذج شبها قريبا أو بعيدا. لأننا حين نرى مدعيا ينسب إلى نفسه أمرا، متغاضيا عن عون الله U وتوفيقه، فإنه يرفع إلينا صورة "الكبرياء القاروني" الذي انتهى به إلى الخسف. وربما لن يكون الخسف المادي من نصيب المثيل، إنما يكون من نصيبه خسف معنوي يتناسب طردا ومقدار الغرور الذي يسكنه، والكبر الذي ينفخ في معاطسه، والفعل الذي يأتيه.

قد يكون من السهل علينا اليوم تدبر أمر "النموذج" حين نستأنس بالفلسفة لإماطة اللثام عن "الشخص"وذلك حين يرتفع بنا الفهم إلى مستوى أعلى قليلا من المشاهد اليومي. فلا يكون الشخص هو هذا ,أو ذاك من الناس، بل الشخص:« ليس مجرد جسم، ولا مجرد عقل، وإنما هو تصور أولي تسند إليه نوعان من الصفات: حالات نفسية وعمليات عقلية من جهة، وحالات وحوادث جسمية من جهة أخرى.» ([7]) وكأن الشخص حال من الأحوال التي تعتري الفرد فتجعله هذا أو ذاك من الناس. إنها أشبه شيء بالقناع الذي يلبس للتمثيل، وفيه تتجسد معاني الأدوار التي يقوم بها الممثل، وعليه ترتسم كافة الأحاسيس التي تتفصد عن الموقف. لذلك يخرج النموذج من إطار العام من الناس إلى إطار الخاص منهم، فلا يكون دالا على عين محددة، وإنما ينصرف كلية إلى معنى من المعاني التي يحددها التصور في النفس أو الجسد.

ربما كانت الرواية الغربية في عهودها الأولى - الكلاسيكية وبعضا من الرومنسية-تقدم في شخصياتها شيئا مما جاء في تحديد التعريف الفلسفي الشخصية، لأننا حين نراقبها في أفعالها وأقوالها، نلحظ ضربا من الارتقاء الذي يرفعها عن مدارات الشخصيات العادية من الناس، ويجري على لسانها كثيرا من الحكمة التي تتخطى حدود الوعي المنوط بها في الرواية. وكأننا حين يستوقفنا القول فيها، نلحظ فكرا يرتفع خارج الأحداث المروية في السرد، يرسم لنا مجالا إنسانيا يتمدد يعيدا عن حدود العصر والبيئة، ليغدو قيما تتعلق بها القراءة حين اكتشافها في هذا الشخص أو ذاك. إنها هي التي جعلتنا نحب هذا الشخص ونكره ذاك، ونعطف على آخر. وليس ذلك منا محض شعور غامر سريعا ما تزول حدته إذا زالت دواعيه، وإنما يحدث ذلك فينا لأننا نتعلق بشيء ثابت يتجاوزنا إلى الإعجاب المطلق أو إلى الاستهجان المطلق. إن الذي يحدث فينا ساعة الالتقاء بمثل هذه النماذج، ويرتفع بنا إلى حالات الصفاء، قد يكون هو ما أسماه "أرسطو" من قبل ب"التطهير". فدور النموذج الأساسي هو "التطهير" سواء عرض ما يستحسن من فعل وقول، أو قدم ما يستهجن من سلوك وفعل.

لقد عرض القرآن الكريم النماذج البشرية المنتقاة من الواقع التاريخي والاجتماعي عرضا متكاملا تتفتح عطاءته على كافة مناحي الحياة، لأنه لا يريد منها وجها واحدا فقط إذ:« ليس من التعبد بكتاب الله الوقوف على قصصه وأشخاصه ووقائعه وتعبيراته، وكأنها تجسد تاريخاً معيناً فحسب، فهذه الرؤية الماضوية لا تتناسب مع خلود القرآن وكونه دستوراً لكل الأزمنة وإنما يجب استحضار تلك القصص، وأولئك الأشخاص، وتلك الوقائع والتعبيرات باعتبارها نماذج وحقائق تستوعب الزمان والمكان. قد يحجبها عن النظرة السطحية تغير الأسماء أو الأشكال، بيد أن جوهرها باق على حاله لا يخفى على الناقد البصير»([8]وليس من غرض القرآن الكريم قص القصص من أجل القص فقط، وإنما غرضه أن تحمل كل قصة من قصصه رؤية إنسانية تتخطى الزمان لتطل على الإنسان في كل العصور والأحوال، إطلالة واحدة تذكره بالجوهري فيه وفي علاقته باللهU. لذلك السبب خلت قصصه من تحديدات الزمان والمكان إلا قليلا. فليس يهم في النموذج المعروض أن يكون من هذا العصر أو ذاك، ومن هذه البيئة أو تلك، وإنما تتجلى قيمة النموذج فيما يأتيه من فعل، وما يصدر عنه من قول مربوط باعتقاد يسلكه في صعيدين لا ثالث لهما: صعيد الإيمان بالله U أو صعيد الكفر.

إن القرآن الكريم، حينما يقسم السلوك إلى الصعيدين، لا يوحي أبدا بأنهما خانتين منفصلتين عن بعضهما بعض وحسب، وإنما يورد من القصص ما يجعل كل صعيد يتوزع إلى خانات تتعدد فيها النماذج المؤمنة والكافرة. بحسب درجات الإيمان والكفر. فمن مؤمن ثابت الإيمان، ركين العقيدة إلى مؤمن متذبذب متاب، يتدرج خطوة خطوة في مراقي الإيمان، وكافر مجاهر عاتي الكفر إلى آخر قد تبرق في قلبه وعقله بروق الشك والريبة، فيرتفع ثم ينتكس. لأن الغرض القائم وراء العرض يتخطى الذات إلى جوهرها، فلا يحبسها في فلان أو فلان، وإنما يسعى بها لتكون فوق التعيين والزمان والمكان، يتعلق بها الفكر في جميع أطواره وأزمنته ليستخلص منها المادة التي يعالج بها المستجد من مشاكله. فيكون العرض بذلك متجدد المعاصرة، دائم الحداثة، يتقلب مع الدهر كلما تكور ليل ونهار. وإدراك هذه المعاصرة فيه: « لا يحتاج إلى التكلف والتأويل البعيد، ولا الوقوف عند ظواهرها ورسومها. وإنما يحتاج إلى التدبر المنهجي. ولعل هذا هو المعنى الذي يشير إليه قول الله تعالى:]وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون[» ([9]) وليس "التدبر المنهجي" الذي يتحدث عنه "عبد العزيز كحيل" سوى تجاوز التعيين والتحديد المشدود تاريخيا إلى شخص معرف، والارتفاع منه إلى مطلق النموذج الذي تمثله العينة المعروضة. فالإنسان في حقيقة أمره واحد في جوهره، وإنما يطرأ عليه من الأقنعة والقشور ما تصنعه الاعتقادات والثقافات التي تنحرف به عن فطرته، فيزداد غموضا وكثافة، وتتعقد مسالكه حتى يغدو غريبا عن نفسه لا يعرف كيف يمسك بحقيقتها، ولا كيف يلج إلى عالمها الخاص. ولنا أن نتصور تلك الطبقات التي ترسبت على الشخص طوال الأزمنة والعصور، وما صاحبها من ضلالات التنظير والتفكير، وما لحق بها من عادات وطقوس، حتى طمست الجوهر النقي الشفاف للذات، وعتمت رؤيتها، وضيقت مجالها الحيوي، وأبدلتها بدل النور سُدَفًا من الظلام الحالك الذي يحوطها من كل جانب.

4-لغة القرآن والنماذج البشرية:


إذا كانت سورة البقرة قد حددت في مطلعها الأصناف الثلاثة الكبرى للناس في علاقتهم بالله U مؤمنا، فكافرا، ومنافقا، فقد أعطت لقارئ القرآن الكريم الخلفية التي ترتسم عليها كافة الآيات، وتتحقق من خلالها التشريعات، والتحذيرات، والأخبار. وكأننا سنقرأ القرآن الكريم وفي أذهاننا ذلك التصنيف الأولي الذي يتيح لنا جدولة نصوص القرآن الكريم بحسب موقع الآيات في تلك الأصناف. فحينما يكون الحديث عن المؤمن الموقن بإيمانه، تكون اللغة التي تعرض أحواله لغة متساوقة مع أجواء إيمانه،تتعهده في كل أحواله تذكيرا، وتثبيتا، وإرشادا.. ولها في ذلك معجمها الخاص الذي لا تفتحه لغيره من الأصناف الأخرى. فإذا نحن أنشأنا مفردات هذا المعجم في سجل خاص تبين لنا كيف يتعامل القرآن الكريم مع المؤمن خطابا فيه كثير من الألفة والحدب والحب، فيه كثير من المصاحبة الرشيدة التي تفتح العين والبصيرة على الوجود من حوله، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

إننا حين نتفطن إلى هذه اللغة التي تفتح خطابها الخاص للمؤمن، ندرك في القرآن مستويات لغوية ومعجمية، تتوزع بحسب الأصناف المحددة قبلا، فتنبهنا إلى أن في القرآن الكريم أصواتا مختلفة بحسب اختلاف المتلقين، وأن أصواته لها مخارجها الخاصة كلما تعلق الأمر بالمخاطبين، فلا يعقل أبدا أن تجد في الخطاب الموجه إلى المنافق شيئا من الاعتبار والتقدير، بل كل ما تجده تصطبغ نبرته بالاحتقار والتشهير والإذلال. كقوله تعالى: ]وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ[(المنافقون: 1)وكأن الله يقطع الشهادات كلها التي سيحاول المنافقون التذرع بها اليوم وغدا، لأنهم قائلون للناس ممن حولهم: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[(البقرة )، وأنهم سيحلفون لله U كما يحلفون للناس ابتغاء دفع التهمة عنهم، ورفع الحرج. فقد فضحهم الله في قوله تعالى: ]يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ[(المجادلة: 18) وأن جزاءهم الأخير: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا[(النساء: 45) فالمعجم القائم في خطاب المنافق، معجم يتميز بألفاظ  صريحة الدلالة قطعية المعنى، لا تترك مجالا للتأويل، بل تدمغ دلالتها بثبات لا يتزعزع ولا يتحول. وكل مستوعب لمثل هذه الألفاظ يجد في نفسه يقينا في ما يتعلق بهذه الفئة من الناس، وأنها قد أقصت نفسها نهائيا من رحمة الله U. فألفاظ مثل: (لَكَاذِبُونَ)و(لاتُفْسِدُوا)و(الدَّرْكِالأسْفَلِ) وغيرها كثير في القرآن الكريم،تحيل على لغة يتسم خطابها بالقوة والشدة،لا تجد فيها أدنى منسم للرحمة والعفو.

فإذا جئنا للطرف المؤمن مثلا، فإن اللغة تخلع غلظة ألفاظها، وشدة تعبيرها، وتتلبس كثير من الإيناس والرفق، وتتلفع بفيض من الرحمة والحنو. وكأنه خطاب الحبيب للحبيب، ليس فيه شيء من العنت والفظاظة، بل ينساب بين الصوت والصوت شعاع من نور يضيء القلوب. فحين نقرأ قوله تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِين َلا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ  وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ[ فصلت: 44). نلح ظ ذلك الفرق بين الخطابين، وكيف تطاوع اللغة كلا منهما بما يناسب من لفظ وما يجانس من تعبير. فكلمتا (هُدًى)و(شِفَاءٌ) حينما تقابلان (وَقْرٌ) و(عَمًى) لا تفعل ذلك ابتغاء التماثل في الثنائيات اللفظية، وإنما تجد لنفسها تقابلا عكسيا، يدفع بالدلالة إلى فضاءات عجيبة، نحسبها من قبيل الترتيب المعجز في ألفاظ القرآن الكريم. فإذا كان "الهادي" من أَسماء الله U :« الذي بَصَّرَعِبادَهوعرَّفَهمطَريقَمعرفتهحتىأَقرُّوابرُبُوبيَّته،وهَدىكلمخلوقإِلىمالابُدَّلهمنهفيبَقائهودَواموجُوده.» ([10]) كما قال "ابن الأثير". فإن "العمى" يحول دون البصر، ويطمس البصيرة، ويغيِّب الآيات الدالة على الحق، كما يجعل الانتفاع بأسباب الحياة ومقوماتها لا يعود على الأعشى إلا بالمضرة والضرر. كذلك الشأن مع (الشفاء) حين يقابل (الوقر) فهذا مرض يصيب منفذا من منافذ المعرفة والتعلم والاستهداء، وذاك حال يعود على الذات بالصحة والصلاح. فالوقر إذن: « ثِقَلٌ في الأُذن...وقيل هو أَن يذهب السمع كله... (و) الوِقَرُ الحِمْل الثقيل...وأَكثر مااستعمل الوِقْرُ في حِمل البغل والحمار.» ([11]).

قد تكشف لنا لغة التماثل اللفظي شيئا آخر عن طبيعة المعجم التركيبي للقرآن الكريم. لأننا حين نقف على لفظ "العمى" ونأخذ من دلالاته معاني الطمس والظلام وانطباق العالم على الذات، انطباقا لا يسمح لها بمتنفس، يتسلل منه بصيص النور، نجد الذات تستنجد بحاسة أخرى، ترفع طاقتها فوق كل الطاقات لتلتقط بها حركة الكون من حولها، حفيفا وحشرجة، وهمهمات وأصوات، تحاول أن تستدفع بها الضرر عن نفسها، وأن تتعرف من خلالها على محيطها. فإذا تعطلت هذه الحاسة وانسدت منافذها، فقد كمل الانطباق على الذات، وانعزلت كليا عن خارجها. إنها صورة مرعبة، لا تستقيم الحياة معها أبدا ولو للحظات قصار.

إن المنافق مبصر، لكنه لا يرى، وهو مستمع، لكنه لا ينصت. إنه في دائرته المغلقة التي تنطبق عليه انطباق القبر على الجسد البالي. إنه ثابت لا ينطلق. لأن من معاني "الوِقْر" البقاء والجلوس. فهو لن يتمتع أبدا بالرحلة والسياحة التي حدثنا عنها الله U في كتابه. إنه باق هنا أبد الدهر، مثقل بأحماله، كما ثَقُل الحمار والبغل بأوقاره. ألم يصف الله U بني إسرائيل بقوله: ]مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[ (الجمعة: 5) لامتناع الاستفادة منها تبْصِرةً وهدى.

قد يتبادر إلى أذهان البعض أن (الوقر) بمعنى البقاء في موضع واحد، يتعارض مع ما نشهد من حركة الناس في الأرض، وأن المعنى الذي ذهبنا إليه يضيق أمام المُشَاهَد اليومي في حياة الناس. غير أن ما فات هؤلاء، أن الحركة البعيدة عن هدى الله U حركة مثقلة بأوقار، خالية من الاستفادة النيِّرة، وكأنها دوران العير في البيادر حول أعمدتها، لا تنطلق حتى وإن اتسعت دائرتها، وظن أهلها أنهم يجوبون أطراف الأرض وفجاجها. لأنهم لا يبصرون، ولا يسمعون. فكيف يتسنى لأعمى أن يرى تقلب المناظر أمامه، وكيف يتسنى لموقر أن يسمع اختلاف الأصوات حوله؟

إننا حين نتعامل مع لغة القرآن الكريم بناء على هذه المستويات، ندرك أننا أمام معاجم تركيبية، تأخذ فيها الألفاظ أشكالا، تتجدد معها الدلالة، كلما تغيرت وجهة الخطاب وتبدل المخاطب. وأنه يجب علينا حينما تتنبه إلى هذا الوضع الخاص بالمفردات، أن ننتبه إلى وضع خاص بالأساليب التي تحتضن هذه المفردات فتخرجها في أثواب تناسب السياقات المختلفة. فالله U في حديثه عن النماذج البشرية، يعرض مواقفها في خطابات تتكشف حقائقها من خلال المختار من اللفظ، والمنتقى من التركيب. فإذا فوتنا على أنفسنا فرصة الانتباه إليها، فاتنا من خيرها كثير من المعاني المنوطة بها.

إنه الأمر الذي يجعل من القصص القرآني مجالا لبيان سنن الله في خلقه، تحملها النماذج البشرية المختارة إلى عين التدبر، لتلتقط منها الثابت في حقيقة الإنسان والأمم والشعوب. وما شخوص هذه النماذج في لغتها الخاصة إلا شخوص السنن ذاتها في مسارات الحضارات المتعاقبة، والتي يحسن بكل جيل من الأجيال المتعاقبة معاودة قراءتها بما استجد لديه من أحداث ومعارف والاستفادة منها كاستفادته عمليا من آيات الوضوء والغسل مثلا، لأن: « استفادة الأحكام من الواقع العملي في تاريخ البشرية أهم وأجدر، لأنها عامة، ولأنها تتصل بسنن حضارية لا تتخلف » ([12]) ذلك ما يحدد وظيفة القصص في القرآن الكريم، ويبعده عن التسلية والخبر، ويدرجه  في مجال استراتيجيات التخطيط المستقبلي. لأنه الفضاء المؤسس لعلم السنن، والمراغ التطبيقي لها في الأشخاص والأمم. ولو أننا: « تتبعنا رحلة المفسرين حسب العصور، نرى أن علماء كل عصر -من خلال معارفهم وكسبهم العلمي- عندما ينظرونفي القرآن يعودون بمردود إضافي متوافق مع آفاقهمالعلميةوالحضارية. » ([13]) وليس ذلك في باب آيات الأحكام وحدها، وإنما في القصص وفحواها والخطابات المنوطة بها. وهي المعرفة المؤسسة على اليقين، المبصرة بهدى الله U والتي تختلف عن ذلك الخبط الأعشى الذي يجد فيه كثير من المحدثين "علما" بيد أنه "الظن" الذي يضر ولا ينفع، خاصة إذا وجدنا من كتابنا من يتبناه بسذاجة توحي بعدم الفهم عن القرآن الكريم لغة وخطابا. فهذا باحث كثرت كتبه يقول: « كان "فولتير" يقول: ( أريد أن أعرف الخطوات التي سارها الإنسان من الهمجية إلى المدنية) -ثم يعلق على هذا الخبر قائلا-: « و"فولتير" بعبارته هذه يصور حاجة من أذكى حاجات وعينا الإنساني. فمعرفتنا كيف سار الإنسان ذلك الشوط المديد المنهك، وكيف غادر الغابة إلى المدينة، والوحشية إلى الحضارة، في أية قافلة مقتحمة مكابدة اجتاز الصعاب،وتخطى الأهوال،واقتحم المخاطر. معرفتنا هذه، وحسن إدراكنا لها أمر ذو بال وخطر، في تقييم الإنسان، واكتشاف دوره.» ([14]) لأن المستمع إلى حديث الله U يعلم يقينا أن الإنسان نزل إلى الأرض متحضرا،عالما، مستعدا، مدعوما بالوحي من أول خطوة خطاها على الأرض. وأنه لم يكن في يوم من الأيام متوحشا، مكابدا للصعاب، مقتحما للمخاطر. لقد كانت بداية الإنسان على الأرض بداية سعيدة، تكتنفها رعاية الله وحفظه وتسديده. وكلما كان الإنسان قريبا من الله U كانت حياته أسهل وأيسر. فإذا ابتعد فقد السمع والبصر، وأدلج في الظلمات، وتخبط في المسالك، وهام في الطرقات.

فلو راجع كاتبنا -وهو المجتهد-قرآنه لوجد في قول "فولتير" "ظنا" لن ينتهي بيقين أبدا، لأنه ينطلق أساسا من افتراض خاطئ، ويعتقد أن ما هو فيه -في زمنه- مدنية مبصرة بعيدة كل البعد عن الهمجية التي يتخيلها في غيره. كذلك كان الهمجي من قبله لا يجد في أفعاله ما يسمح بوصفها همجية، لأنه يظن أنها عين الصواب. وكلما كان الإنسان مرجع نفسه استوى عنده هذا وذاك. وبناء عليه تتحدد القيمة الإستراتيجية للقصص في تحديد علم السنن، لأنه يعد بمثابة المرجع والمعيار لبيان حقيقة القيم، ما يتصل منها بالأشخاص و بالأمم.





[1]سيد قطب. في ظلال القرآن. ص:1002.
[2]-القرطبي.الجامع لأحكام القرآن.دار الشعب.القاهرة.1372هـ.ط2. (ت)أحمد عبد العليم البدوني. ج:1 ص: 195.
[3]ابن كثير. تفسير القرآن العظيم. دار الفكر. بيروت.1401هـ. ج: 1 ص: 3
[4]م.س. ج: 1 ص: 3.
[5]القرطبي ج: 1 ص: 196.
[6]-القرطبي ج: 1 ص: 197.
[7]- محمود فهمي زيدان. في النفس والجسد. ص:202.
[8]-عبد العزيز كحيل. الأبعاد الواقعية للنماذج القرآنية. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
http://www.55a.net/firas/arabic/
[9]عبد العزيز كحيل. الأبعاد الواقعية للنماذج القرآنية. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
http://www.55a.net/firas/arabic/
[10]-ابن منظور. لسان العرب. ج15ص353.
[11]-ابن منظور. لسان العرب. ج5ص289.
[12]-محمد الغزالي. كيف نتعامل مع القرآن الكريم. ص:183. ط7. يونيو 2005. نهضة مصر للطباعة والنشر.
[13]-م.س.ص: 206.
[14]-خالد محمد خالد. إنه الإنسان.ص:45. دار الكتاب العربي القاهرة (دت) مصر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،