التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل هناك من خصوصية للشعر الجزائري الحديث؟ بقلم : حبيب مونسي


 ما المراد...حينما تثار خصوصية الشعر الجزائري..؟

هل لشعرنا شيء يميزه عن غيره؟

أم أن الشعر الجزائري كغيره من الشعر يحمل أصواتا متعددة؟

كيف يمكننا أن نؤرخ للشعر الجزائري؟ وكيف نصنفه؟


يعمد كثير من الدارسين للشعر الجزائري إلى التقسيم التاريخي للظاهرة الشعرية الجزائرية، على اعتبار أن الشعر - شأنه شأن الأنواع الأدبية الأخرى- يخضع حتما للتاريخي في تصنيف ظواهره الفنية والفكرية. فيجعلون للكلاسيكية حظا من شعر الرواد أمثال مفدي زكرياء، ومحمد العيد آل خليفة، والسائحي، والبرناوي، وغيرهم.. ويستشهدون للمرحلة الانتقالية بعدد آخر من الأسماء أمثال سيليمان جوادي، ومصطفى الغماري، والسائحيين، والعربي عميش، وعلي ملاحي، وعمار بن زايد، وعياش يحياوي، وعبد العالي رزاقي، وأزراج عمر، وأحلام مستغانمي.. وغيرهم، ثم يفتحون شعر المرحلة الأخيرة على التجريب، وانتحال الشعر الحر، والقصيدة النثرية، وتجاوز الخليلية إلى الكتابة النثرية، ويندرج في هذا الإطار الحراك الشعري الجديد بشطريه الرجالي والنسائي، على اختلاف مشاربهم الثقافية، وتوجهاتهم الأيديولوجية.

بيد أن هذا زعم مردود من عدة جهات.. لأنه تقسيم مدرسي، يستهويه التصنيف الجاهز، الذي يعلي من شأن الخارجي في توجيه التجارب الشعرية شكلا ومضموناوكأن الشعر ليس أمامه إلا أن يكتب السياسي في لغته وأوزانه، وليس أمامه إلا أن يجسد الأيديولوجي في عباراته وجمالياته. ذلك أن المتصفح للتجارب الفردية لدى الشاعر الواحد يكتشف تلونا متدرجا في سيرورته الشعرية، فإذا جسد عدد من القصائد رأيا أو توجها فكريا أو جماليا، سرعان ما تجد أخرى تتفلت من قيده لتقول بتجربة أخرى مغايرة مختلفة.. وإذا أردنا التمثيل لذلك بسطنا أمامنا ديوان مفدي زكرياء على اعتبار أنه يجسد التجارب الكلاسيكية ذات الصوت الثوري الهادر، إلا أننا واجدون بين القصيدة والأخرى، نصا مختلفا في شكله، وإيقاعاته، ومضمونه، وكأنه يشعرنا بما يتحرك في داخلية الشاعر وهو يتقلب في تجاربه المختلفة.. وتلك خصوصية لا نكتبها لمفدي وحده، وإنما توجد في أشعار كثير ممن ذكرنا من الأسماء، وممن لم نذكر.

إنها ظاهرة تكشف عن تململ وبحث لم يستقر بعد عند هذا الشاعر أو ذاك.. فقد يجد نفسه مضطرا لمسايرة تيار معين بعدد من القصائد، ولكنه بين الفينة والأخرى يرخي عنان التجربة لترود سبلا أخرى للقول والتشكيل..

لم يكن الشرق بعيدا عن التجربة الجزائرية، بل كان حاضرا في خضمها، وكثير من الأصوات الشعرية الشرقية لا يزال يهيمن على القصيدة الجزائرية. فإذا أصخنا السمع للقصائد أنبأتنا أن أصواتها آتية من هذه الجهة أو تلك، سواء كانت نزارية الهمسة، أو دروشية النبرة، أو أنها في حزنها وضبابيتها تحاكي السياب، وعبد المعطي حجازي، أو تغيم وتدلهم في آدونسية مغرقة.. تلك هي الواقعة الشعرية الجزائرية التي تأبى على التصنيف الخارجي، لأنها تحمل في رحمها كمًّا من التحولات التي تنبثق في كل نص، وتجعل تصنيف الشعراء في تيارات واتجاهات تصنيفا فارغا تنقصه الدقة في استكناه حقيقة التجارب الشعرية الجزائرية..

قد تتجاور فيه القصيدة العمودية، والقصيدة الحرة، وقصيدة النثر، في الديوان الواحد.. كما يتجاور الموضوع الديني، والوطني، والفلسفي.. وكأن الديوان الشعري بما جمع، إنما يعرض تقلبات الذات بين أطراف، قد يجد فيها كثير من الدارسين تناقضا ظاهريا، وأنها لا يمكن أن تصنع فكرا محدد المعالم بين اللون، يسهل العودة إلى مشاربه الأولى والتحقق من مرجعياته.. وتلك خصوصية جزائرية أقل ما يقال عنها أنها تمثل مرحلة التشكل العام للشعر الجزائري، لا يختص بها شاعر واحد من الشعراء، وإنما هي الظاهرة التي تسري على الشعر كله.

قد يحتج البعض ويرى في الدواوين الأولى اتجاها محددا لدى شاعر من الشعراء، بيد أن غلبة غرض من الأغراض الشعرية على ديوان لا يعني أن صاحب الديوان يعتقد ذلك الاعتقاد وحده.. وربما صنعت المناسبات كثيرا من القصائد التي تتجاور في الديوان ولا تعبر عن روحه، وربما يوجد في الديوان بعض قصائد هي في الواقع روح التجربة الشعرية الحقيقة لدى الشاعر، وهي التي تمثل دخيلة اعتقاده، وصميمية تجربته. ومن الظلم النقدي أن نجعل من العدد دليلا على التوجه أو الاتجاه.. تقتضي الخصوصية الشعرية الجزائرية أن نتناول كل نص على حدة، ليكون النص بذلك عالما خاصا، يمثل انبثاق رأي، أو تجربة، أو استدراج نحو إحساس غامض لم يتبلور بعد.. إننا مثلا إذا قرأنا هذه الأبيات ل"عياش يحياوي" وهي في ديوان "تأمل في وجه الثورة" حيث يقول:

غريب تلهث الأيام من سفري وأشعاري

يموت الوهم مشنوقا على خلجات إصراري

أغوص وذرة الصحراء.. صحراء لإبحاري

وملحمة الهوى القدسي من وردي ومن ناري...

أجوب الشارع الموبوء.. يلهث عبء أسراري وتمطر في دمي الأبعاد.. يخضر المدى العاري

يعانق ألف زنبقة تنوس بهدب مزماري (عياش يحياوي/ تأمل في وجه الثورة. ص:30.).

نتوقف عند عتبات هذا النص باعتباره نصا غريبا في ديوان يحمل عتبة أخرى تشير صراحة إلى الثورة، إلا إذا تأولنا الثورة مرة أخرى بم كان يعتمل في أعماق الشاعر من أحاسيس متزاحمة، تركب في أسلوبها عبر الكلمات النسق الصوفي، وتستحضر تجارب ضاربة في القدم.. فهل تعدل هذه القصيدة القصائد الأخرى في الديوان كله.؟. ذلك هو السؤال الذي يجب أن يوجه إلى القائلين بالتصنيف والاتجاهإن نص يحياوي - الذي قدمناه للتمثيل فقط- ينوب عن العشرات من النصوص التي تجدها في أشعار سليمان جوادي، وعلي ملاحي، وأحمد حمدي. وعامر شارف.. ومجدوب العيد، ومحمد أمين السعيدي، وعبد القادر رابحي.. وربيعة جلطي، وحمر العين خيرة، ومنيرة سعدة خلخال.. وغيرهم... وهي النصوص التي نجد فيها ضجيجا من الأصوات الخارجية التي تشوش عليها تجربتها، والتي تسعى إلى التفلُّت منها من خلال إيجاد بدائل لفظية، وأسلوبية، ورمزية.. بيد أن عملية التفلُّت ليست بالأمر الهين الذي يسهل مراودته في ظل التذبذب الوجودي والفكري الذي يسكن الشاعر ذاته.. إننا لن نلمس سمتا شعريا خاصا لدى شاعر، إلا إذا استقرت رؤيته للعلم في إطار فكري يستريح إليه.. ساعتها ستدور القصيدة في فلكه دورانا حرا، يمثل خصوصية الشاعر التي نبحث عنها اليوم..قد يكفي متتبع الحراك الشعري الجزائري التوقف قليلا عند العتبات الشعرية التي يخص بها الشعراء دواوينهم ليدرك مدى الاجتهاد والحيرة التي تسكن الذات الشاعرة، خاصة وأن الكتابة الشعرية لم تعد احتفالا بالفني وحده، وإنما صارت انغماسا في الحياتي اليومي، تستكتب همومه وأوجاعه، تتجاوز حساسيتها المفرطة حدود الإقليمي لتطل على فداحة الخطب في العالم وما يكتنفه من ظلم، وقهر، وجور.. فتنفتح أمامها جبهات مختلفة تحول دون الاستقرار والتريث.. بل السمة الواضحة التي تكتب الشعر اليوم، هي التوتر والقلق.. توتر الذات والقلق الذي يغلف المستقبل ويلون خلفياته.ربما يفسر التوتر والقلق خصوصية أخرى، ألا وهي "الضياع في التعدد" وأقصد بذلك ضياع الغرض الرئيسي في أغراض ثانوية تعترض طريقه وتتداخل معه. لأنك قلما تجد قصيدة خالصة لموضوع واحد فريد، وإنما الملاحظ تداخل الموضوعات الجزئية التي تقفز بين يدي القصيدة، وكأنها فقعات اللاوعي، تجد طريقها عبر التداعيات لتطفو على السطح، محدثة إرباكا في الشكل وخلخلة في الموضوع.. وهي الظاهرة التي تسكن القصائد الطويلة التي عرفها الشعر الجزائري في الثمانينيات والتسعينيات.. وكأن أصحابها أرادوا كتابة ملاحم على غرار دواوين عبد المعطي حجازي، سميح القاسم وغيرهما.. فتتراكب القصيدة بين يديك وكأنها لوحات معلقة على جدار اللغة يمكن متابعتها خطيا بالتنقل عبر أروقتها.. وتلك ليست ميزة للقصيدة الجزائرية وإنما هي مما طرأ على القصيدة العربية في جميع الأقطار نظرا لإغراقها في الذاتية، وتحويلها إلى فضاء بوح واعتراف.إننا اليوم إزاء ظاهرة غريبة.. سماها النقد من قبل "تداخل الأجناس" بيد أن التداخل المقصود من طرف الشاعر يشكل تقنية واعية، ولا يمكن أن يرسم خصوصية باطنية. غير أن التداخل المشهود اليوم هو انفتاح النص على مجرد الكتابة.. بمعنى لم يعد الهم قائما في احترام وزن وبحر كما هو الشأن في القصيدة العمودية، ولا احترام موسيقى داخلية وأخرى خارجية، وإيجاد إيقاع واضح للنص، ولا إيهام المتلقي بأن ما يسمع ويقرأ، هو من قبيل الشعر لا النثر.. كل ذلك تحول إلى ضرب من الفضفضة الذاتية التي تتعرى عبر الكلمات.. إنها الظاهرة التي وَجدت في مخلفات العشرية الأخيرة وقودَها الخاص، فتخطت بها كافة الحدود التي أُقيمت في طريق التجارب الجديدة للشعر، وصولا إلى البوح العلني لأشجان الذات وأمراضها..

ربما سيكون النص الشعري الجزائري في آخر المطاف وثيقة إدانة للذات الجزائرية في أصعب فتراتها التاريخية والسياسية، في حيرتها أمام الانتماء الثقافي، والفلسفي، والديني، والتاريخي.. وما شئنا من الانتماءات الأخرى، وفي حيرتها أما ما يُنتظر منها في غدها..

إن القراءة التي تتجاوز الطرح الأدبي، إلى الطرح الفلسفي، والاجتماعي، والنفسي، قد تكشف عن أبعاد خصوصية للقصيدة الجزائرية الحديثة. وذلك مطلب تُجند له أدوات أخرى، لا تتوقف عند المقولات السطحية، بل تتعداها إلى المخبوء من مُرادات الخطاب الشعري.

إن ما حُرم منه الشعر الجزائري اليوم.. هو الدرس النقدي الجاد، الذي يصدر الأحكام، لا النقد الواصف الذي يتلهى بالجداول والأرقام، والذي يقف عند الجزئيات التافهة... نحن في حاجة إلى من يرتب مكتبة الشعر الجزائري، إلى من يصنف التصنيف المعرفي العارف، إلى من يرسم خارطة الإبداع الشعري الجزائري، حتى يتسنى للدرس النقدي المتفحص ولوج عوالم الشعرية الجزائرية.

التعليقات

بشيرضيف الله

 استدراك:وردت كلمة الجزائر هكذا "الجزممائر" و وكلمة خصوصية هكذا"خصوية" ...فالمعذرة للأستاذ رابح مونسي ولقراء "أصوات الشمالالأوفياء...."الكلافي نتاعي هرم"

شكرا  

بشير ضيف الله

"إن ما حُرم منه الشعر الجزائري اليوم.. هو الدرس النقدي الجاد، الذي يصدر الأحكام، لا النقد الواصف الذي يتلهى بالجداول والأرقام، والذي يقف عند الجزئيات التافهة... نحن في حاجة إلى من يرتب مكتبة الشعر الجزائري، إلى من يصنف التصنيف المعرفي العارف، إلى من يرسم خارطة الإبداع الشعري الجزائري، حتى يتسنى للدرس النقدي المتفحص ولوج عوالم الشعرية الجزائرية."أستاذي الفاضل ،أقف عند هذا المفصل من قراءتكم لأقول أن الشعر الجزائري عرف كمًّا وتراكمًـا هائلا جسد حالة من الضياع كما تقول،في غياب الدر س النقدي الواعي الذي يقف عندحدود النصوص لا عند أصحابها المحاطين بهالة من الألقاب أو الاستعارات الإعلامية وما إلى ذلك...لقد أنجبت الشعرية الجزئرية جيلا بإمكانه تجاوز الراهن المغلف وتجسيد الخصوصية ،خصوصية الهدم -حسب بروست- من أجل البناء،لا الهدم من أجل الهدم جريا وراء تجارب مشرقية و أخرى عالمية لم تخدم النص إطلاقا بقد ما أدخلت هذا المتن عباءة أخرى ليست له ولا منه...والدور يعود على النقد والفكر النقدي العالم لا النقد الميكانيكي -كما تحلو لي تسميته-،ففي الفكر النقدي الغربي مثلا نجد فيلسوفا كجيل ولوز ناقش فرضيتي الاختلاف والتكرار...نحن الآن -في متننا الشعري- نعيش حالة تكرار من الدرجة الأولى،فلا هي أقلعت نحو المختلف ،ولا هي حققت ذاتها-بالمفهوم السوسيو-ثقافي للكلمة-

إن غياب الوعي النقدي لدى شعرائنا من جهة،وغياب الدر س النقدي الذي يضع النص في مكانه الحقيقي بعيدا عن النقد الصحافي أو المجاملاتي الذي لا يختلف كثيرا عن "مدح الملوك سابقا"...جعل النص الجزائري يراوح مكانه ولم الكتابةتجاوزا للراهن،ومن ثمة تجاوزما للتجاوز في حركية دائمة...كأن يتخيل الكاتب عتبات لتجربته يتجاوزها باستمرار عتبة عتبة ..إذ ذاك نتكلم عن الخصوصية...وفي ختام هذه الوقفة أنقل لكم سيدي حادثة تضعنا على المحك الشعري ندرك من خلالها لماذا لم تكن للمتن الشعري الجزائري خصوصيته...

من مدة صرحت شاعرة وأكاديمية جزائرية أنه لا يوجد شعر في الجزائر من منطلق أننا لا نمكلك قامات شعرية كمحمود درويش مثلا او المقالح...فثارت الثائرة وحدثت زوبعة بدعوى أن الجزائر بها فلان وفلان وفلان...غير أني أرى أن طرحها صائب من هذه الناحية...فحتى و إن وجد تنوع وتراكم شعري ...لكننا بصراحة نفتقد للخصوصية المعرفية/الذاتية/العالمة التي تنطبع على المتن الشعري....استمتعت سيدي بقراءتكم وقراءة مقال الأستاذ عبد القادر رابحي في الموضوع نفسه...وشاكر لكم لأنكم أثرتم نقطة تحتاج مصارحة لا هروبا إلى الأمام

ليلتكم أسعد

محبتي
بشير ضيف الله

مجذوب العيد

 أخي مونسي قرأت موضوعك وأعدت القراءة لأدرك مربط الفرس في كل ّ حديثك المحترم أنت أخي الكريم تنطلق من يقينية الشّعر على ضوء يقين ما يحمله الشاعر في جنباته وهذه دوما طريقة الأقدمين حيث المعرفة كانت عندهم يقينية لكننا اليوم في تجدّد معرفي مستمر ّ وفي مفاهيم متجدّدة وفي اكتشافات عجيبة وفي تلاقح عالمي عجيب بين بشره ... لذا فإن هذا الاضطراب الذي تراه في النّصوص هو نتيجة بحث دائم عن الأنا في منطقة اليقين وعن هويّة الكون نفسه !! لذا ترى الشاعر متقلّب في رياحه وفي مزاجه الشّعري وفي استحالة بساطة الغرض عنده مقابل ملايين المشاكل التي تحتضنه ومن كل الأصناف .

لا زلت ُ مقتنعا أن ّ الشّعر لباس الحياة والكون بكل ما يحملان من حمولات معرفية في سياقاتها المتعدّدة لذا زادت أسئلة الكائن وبالتالي زاد الشّكّ لديه في كثير من المسلّمات وهذا ما جعل الشاعر يتعرّض إلى فضاحة مشهد تعقّد أكثر في داخله ومن حوله .

عندما نسَلّم بتفوّق الإنجاز البشري على اللغة ذاتها سوف نفهم المعضلة التي دخل فيها الشّعر .لذ أنا أرى القطيعة الابستمولوجية هي المشكل مع المتلقي الذي لا لم يهزّه شكّ يوما في ذاته في الكون في الحياة في الأرض في الزمن في المكان إن اليقين في الأدب حجر لا بدّ من تكسيره أدبيا باللغة بالمعنى بالرؤيا وإلا وقعنا في النّثر المملّ ، لكن ّ الذي يجب مجابهته في رأيي هو الإبهام هو المباشرة اللابلاغية هو مسرحة الشّعر لاكتساب جمهور بسيط لا يفهم ولا يعرف الفرق بين الشعر والنّثر .أخي الحبيب مونسي نحن لا نجالد الشّعْر وإنما نجالد كنهه وفراستنا فيه ربما أبعد مما نرى نحن أيضا ... بكل الاحترام والتقدير أدليت برأيي المتواضع ... شكرا  

حبيب مونسي

 أخي الفاضل بشير ضيف الله... مرحبا بك..

استمتعت بقراءة تعليقك على الورقة وأثمن كل ما قلته بل قد وجدت فيما طرحت منافذ أخرى للبحث عن التكرار والاختلاف التي أسميتها في ورقتي بالأصوات التي تسكن القصيدة الجزائرية والتي تحول دون انطلاقها.. وقد قرأت للشاعرة نسيمة بوصلاح كلمتها التي أثارت بعض الردود بين الشعراء.. ولست أرفض رؤيتها ولا أقبلها في كليتها.. بل أحترم رأيها لأنها ما قالت ذلك إلا لتشير إلى أننا لم ننطلق بعد في انتاج الصوت الجزائري المتميز وأننا في تجاربنا نكرر أصوات غيرنا.. إنها معضلة تحتاج منا إلى درس وتحقيق ربما وجدنا لها من الأسباب التي المادية التي تعوق انطلاقتها.. مثل فضاءات الشعر إنشاء ونشرا.. وفضاءات الإعلام تعريفا وتقريبا.. كل ذلك يعطل من ظهور الطاقات وتفجيرها.. كما أننا ابتلينا بلعنة الجوائز التي صار الأدباء لا يكتبون إلا ابتغاء نيلها ونوالها.. أشكرك أيها الفاضل على رؤيتك النقدية المتميزة.. نحن نجتهد لعلنا ندرك بعض ما فات النقد الجزائري ..نستمد من تعليقكم الرأي الذي نؤثث بها وجهات نظرنا.. دم قارئا فطنا.. 

حبيب مونسي

 أخي المجدوب سلام

أدرك جيدا أنك واحد من الشعراء الجزائريين الذين يعنيهم الفكر النقدي وتعنيهم النتائج التي يصل إليها فيما يخص إنتاجهم الشعري.. كما أنك تعلم أنني حين أتحدث عن الخصوصية الجزائرية لا أقصد نمطا من القول ولا نمطا من الأسلوب وإنما الشعري عندي يظل كائنا من غير جنسية.. جنسيته هي العروبة.. عروبة لغته وتراثه وامتداده من الماضي إلى الخاضر.. أما ما عالجناه فمسألة تصنيفية يحتاج إليها الدرس النقدي ليلملم أوراقه وهو يتحدث عن الشعر الجزائري ومن ثم تكون مدارس وأجيال وأن لكل جيل اهتمامه وتوجهاته بيد أن المرجعية الفكرية والجمالية تظل واحدة المنزع والمشرب.جميل ما كتبت.. جميل طرحك الذي يساعدني دوما في تصحيح مسار رؤيتي النقدية..أستأنس به وأعتد بصاحبه شاعرا فذا.. 

جلول بن يعيش

 الدكتور المحترم مونسي حبيب ،أحييك أولا ،ثم أشكرك على طرح إشكالية خصوصية الشعر الجزائري الحديث ،وذلك من زواية أكثر موضوعية ،مستشهدا بأسماء شعرية تجلى لك في أثرها التغاير الذي يقلل من أهمية التقسيم الكرونولوجي للنتاج الشعري ،ويؤكد كما قلت سيطرة النزعة التجريبية والسماع لأصوات متعددة المشارب ،والتي نلمس حضور أدواتها التعبيرية والجمالية في مختلف التجارب الشعرية ،وهذه النزعة لازالت متوارثة إلى جيلنا الحاضر وإن توسع مفهومها، نظرا لشيوع مايسمى بتلاقح الأجناس الأدبية ،أو انعدام الحدود بينها ،كل هذا يحدث في غياب النقد الجاد الذي لم يستطع الإحاطة بهذا التراكم الرهيب للأنماط الإبداعية ،وزاد النشر الإلكتروني من طفو العديد من الأنماط التي يصعب على المتلقي استساغتها أو تحديد هويتها،كيف يمكننا الحديث عن خصوصية للشعر الجزائري الحديث وسط هذه الفوضى ،أين النقد الواعي والمؤسس وفق المعايير العلميةالموضوعية،والقيم الثقافية التي توجه وتنظم البيت الشعري الجزائري ،إذا تحقق وجود هذا النقد سنتطيع التأسيس لهذه الخصوصية المنشودة ،لكن رغم ما يشوب مدونتنا الشعرية ، هناك أصوات تحاول أن تصنع لذاتها بصمة تميزها ،رغم الرداءة المكرسة في الهياكل الثقافية والمنابر الإعلامية ...أشكرك مجددا على إثارة الموضوع ...تحية وتقدير...جلول بن يعيش 

حبيب مونسي

 أخي جلول السلام عليكم..

جميل ما كتبت وجميل ما وعيت.. ألمس في قراءتك تقافتك الجيدة واطلاعك الحسن على واقع الثقافة في الجزائر عموما والشعرية منها خصوصا.. وأثمن ما قلته وقد أفدت منه في توجيه الرؤية والتزكيز على دور النقد الجاد في تحيين الشعر الجزائري .. شكرا لمرورك الكريم وأعدك أنني سأعود للموضوع من خلال النماذج..حتى نكشف عن الأصوات التي تتخلل الشعغر الجزائري وتمنع عنه التميز والانطلاق..شكرا لك..دم قارئا متميزا.. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،