التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الخوف من الإسلام Denise Helly 2015 ترجمة وتعريب: حبيب مونسي



 https://0.academia-photos.com/9587810/9699830/10803565/s200_denise.helly.jpg


الخوف من الإسلام
Denise Helly 2015
ترجمة وتعريب: حبيب مونسي

Pour citer cet article
Denise Helly, « La peur de l’Islam », SociologieS [En ligne], Débats, Penser les inégalités, mis en ligne le 23 février 2015, consulté le 23 février 2015. URL : http://sociologies.revues.org/4900


الملخص بالإنجليزية:
The fear of Islam
This articles surveys the economic and sociopolitical context of the rise of Islamophobic prejudices, primarily in Europe. Beginning with the reaffirmation of the Liberal ideology after 1945, which sought to protect the rights of national, ethnic, and racial minorities, the author identifies some of the factors that have lead to a reaction of the majorities and the strengthening of ethnocentrism. These factors include a resistance to cultural pluralism (which irremediably transforms the majority society), and the loss of social status by the middle-class resulting from economic globalization. The author also identifies some of the reasons why Muslims constitute a preferred target of such animosity on the part of the majorities: the demographic importance of this minority; their limited ability to organize and mobilize; the fear of political Islamism since the Iranian Revolution of 1979; the end of the repressive control of internal tensions in regions dependent on the Soviet Union since its fall in 1989; lastly, Western interests in the energy resources of the Middle East. The author then identifies some modern beliefs which are challenged by the presence of Islam, thus fostering Islamophobia: the paradigm of rationalism, according to which religion would be an intellectual archaism that cannot subsist in a modern society; the paradigm of inevitable secularization, challenged by the persistence of religious belief; the notion of a necessary opposition between the State and religion; the conception of a threat on popular sovereignty by the judiciary (since it protects minorities); lastly, the perception of Islam and of religions in general as intrinsically oppressive towards women.
ترجمة الملخص بالفرنسية:
يرسم هذا المقال صورة للسياق الاقتصادي والسوسيو-سياسي لانبثاق الأحكام المسبقة للإسلاموفوبيا، وبالخصوص في أوروبا. وانطلاقا من إعادة تأكيد الإيديولوجيا الليبرالية بعد 1945، والتي أرادت أن تكون ضامنة لحقوق الأقليات الوطنية، والإثنية، والعرقية، فإن المؤلف يكشف بعضا من العوامل التي أدت إلى ردود أفعال الغالبية في مواقعها، وإلى تشدد في التمركز الإثني. كما أن مقاومة التعدد الثقافي تندرج ضمن هذه العوامل (التي تحول بشكل قطعي المجتمع صاحب الغالبية ) مع ضياع الأساس الاجتماعي للطبقة المتوسطة الناتج عن العولمة الاقتصادية.
ويكشف المؤلف أيضا بعضا من الأسباب التي يكون المسلمون بسببها أهدافا مختارة لمشاعر عداوة وأحقاد الغالبية: كتعاظم النمو الديموغرافي  لهذه الأقلية، وضعف قدرتهم على التنظيم والتعبئة، والخوف من الإسلام السياسي ابتداء من الثورة الإيرانية عام 1979، وانتهاء المراقبة القمعية للتوترات الداخلية في المناطق المستقلة عن الاتحاد السوفياتي ابتداء من سقوطه عام 1989، وأخيرا طمع الغرب في المصادر الطاقوية للشرق الأوسط. كما يكشف المؤلف بعد ذلك بعضا من الاعتقادات الحديثة التي يشكل وجود الإسلام دحضا لها، الأمر الذي يعمل على تغذية الإسلاموفوبيا وتأجيجها: فالمنهج العقلاني لا يريد الدين باعتباره  تقليدا ثقافيا قديما الاستمرار في المجتمع الحديث. وكذلك منهج العلمنة الذي لا مفر منه، والذي يتعارض مع تجذر المعتقدات الدينية. وفكرة المعارضة الحتمية بين الدولة والدين، وتمثل تهديد السيادة الشعبية من طرف السلطة القضائية (التي تحمي الأقليات الثقافية )، وأخيرا تصور الإسلام والديانات بصفة عامة ذات ميول قمعية تجاه النساء.
الكلمات المفتاحية: الإسلام، تمييز عنصري،أنظمة أيديولوجية، حقوق الأقليات.
1- مقدمة :
تشير تيارات الرأي العام في المجتمعات الغربية إلى المسلمين مذ عشر من السنوات، على أنهم جماعات ذات سلوك غير مقبول،غير سوي،بدائي،وأنهم مغفلين، فاسدين، دون أن ننسى الأقليات الثقافية و الدينية الأخرى، المستهدفة من طرف التمييز العنصري، كالمهاجرين، والسود، والهنود الأمريكيين، والمثليين،والسيخ، واليهود الحسيديين،وآخرين.
حادثان قريبان يذكران بذلك:
  • في 9 من سبتمبر 2013، في مدينة هاميلتون " Hamilton " في مقاطعة أنطاريو " Ontario " في كندا، تم رش، مهاجر، سائق لتاكسي بالبنزين على الساعة 3.15 ليلا لأنه رفض نقل زبون. وحسب شهادة شرطي في ثياب مدنية فإن الزبون شتم السائق كونه مهاجرا. وقد عالجت الشرطة الجريمة باعتبارها جريمة حقد (المساس العنيف بالكرامة والهوية).
  • في إيطاليا، تتعرض وزيرة الإدماج العرقي في حكومة الوسط اليساري المشكلة في أفريل 2013، لأنها تتردد على منطقة بائعات الهوى وأنها تشبه القردة. وذكرت الأناشيد العنصرية التي رددها الجمهور أثناء دخول أحد لاعبي كرة القدم الميدان (soccer) ميلانو، "ماريو  بالوتيللي" (Mario Balotelli) ([1]) وقد جرى الحادث تزامنا مع مناقشة فتح المجال أمام المهاجرين لاكتساب المواطنة،يعني بحيسب مكان الولادة، لا بحسب الرابط الدموي (jus solis versus jus sanguinis)  (حق الأرض مقابل حق الدم).
عندما نتحدث عن الأقليات في العلوم الاجتماعية، فإننا نتحدث عن سلطة، وعن سياسة في معنى العلاقة السلطوية،والهيمنة، وليس عن وقائع وإشارات السياسيين. نريد أن نبين أن هذه المجموعات ليس لها تأثير فاعل في دواليب السلطات السياسية (الأغلبية البرلمانية، القوى الضاغطة ) والرمزية (الإعلام)،والاقتصادية (رأسمال، وظائف مخصصة للمواليد)، وليس لها القدرة على الحد من  الإبعاد والنفي الذي تعاني منه. ليس لمصطلح "الأقلية" في السيوسيولوجيا أي دلالة ديموغرافية. بمعنى قلة العدد في مجتمع ما، فمصداق ذلك الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا. فعلى قلة عددها قياسا للسكان السود إلا أنها تمتلك السلطات السياسية، والاقتصادية، والرمزية. إن تمثيل الجماعات على أنها "مفارقات" " aberrations " ثقافية، تنشىء عادات غريبة، غير أخلاقية، بدائية،بربرية،جزء من التاريخ الغربي الحديث، مثله مثل مجموعات ثقافية أخرى (في الصين، الأفضلية الثقافية المثبتة ل "الهان" " Han " على البيض والأقليات الوطنية. ) لقد كان لخطابات أفضلية الحضارة البيضاء على الحضارات الأخرى، وأفضلية الثقافة الأنجلو-بريطانية على ثقافات أوربا الجنوب، أو كذلك الثقافة الوطنية للمولدين، والأصليين في مقابل المهاجرين.. آثار مدمرة لملايين من الهنود الأمريكيين والأفارقة، وآلاف من الصينيين، والهنود. وحديثا إبان الحرب العالمية الثانية لملايين من اليهود، وآلاف من الغجريين،والمثليين.  وقد استمرت هذه الأيديولوجيات العنصرية قوية وفعالة إلى غاية القرن العشرين، نظرا لاستحالة الاعتراض المنظم والجماعي للضحايا. ([2]) أمام النفي، أو القمع الذي تتعرض له، وغياب الحوار الشعبي. إن فكرة الرأي العام حديثة في التاريخ، وقد ظهرت مع الجرائد المكتوبة في القرن التاسع عشر. والمدافعون القلائل عن الأقليات في تلك الأزمنة كانوا من رافضي الرق الإنجليز المجندين باسم مساواة البشر إلى جانب أيديولوجية الإحسان المسيحي البرتستاني. وهم كذلك المدافعون عن الأقليات الوطنية في أوروبا الوسطى باسم الديموقراطية والخصوصية الثقافية.
2- الحقوق المكتسبة بعد 1945.
تغيرت وضعية الفراغ التشريعي للأقليات الثقافية مع نهاية الحرب العالمية الثانية لسببين:
التأكيد على الأيديولوجية الليبيرالية بعد 1945.
لقد كانت الحماية القانونية للأقليات الثقافية، والإثنية، والوطنية موضوع مفاوضات دولية بين أعوام 1918-1922 نتيجة انهزام الأمبراطورية العثمانية، والنمسا-المجر، الأمبراطوريتان اللتان تحتويان على العديد من الأقليات المنبوذة. وسويت القضية بالاتفاق القاضي مثلا بحراك الجماعات قصد حمايتها. وبموجب ذلك تم تحريك 200000 يوناني من الجسر (شمال تركيا) إلى اليونان.
لقد شكلت ابتزازات وتجاوزات النظام النازي،والفاشيين الإيطاليين،والإسبان،والفرنسيين وآخرين،صدمات حقيقية لمنظري الليبرالية السياسية: كيف أنتجت ديمقراطية ليبرالية قائمة على المساواة في حقوق الأفراد،واحترام الحريات الأساسي و الإيمان بتطور البشرية ظاهرة تسلطية (فاشية) وقاتلة (محرقة وتقتيل الأقليات من طرف النظام النازي؟) ([3])
فضلا عن ذلك، فإن الحرب الباردة: أي المواجهة الأيديولوجية والجيوسياسية ابتداء من عام 1950 بين قوتي ما بعد الحرب، فرضت إعادة تأكيد المبادئ الأساسية لليبرالية السياسية. فأرسى محكمو الليبرالية السياسية حقوق الأقليات الوطنية،والإثنية، والعرقية،كما أرسوا كذلك حقوق المبعدين السياسيين من خلال اتفاقية جنيف عام 1951. فاعتمدت ترتيبات دولية ضد تمييز الأقليات: ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 (المادة 1و55)، البيان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 (المادة 2)،المواثيق الدولية عام 1966 المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية (المادة2). ([4]) والاتفاقية الوقائية والردعية لجريمة الإبادة. وغالبا ما ينتج عن هذه الملفات وغيرها حقوق ثقافية لأعضاء الأقليات (المادة 27  في الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية) ([5]) والتي تعترف للشعوب بحق تقرير المصير في حال السيطرة والاستغلال العلني،المختتمة عام 1966 والمصادق عليها من طرف الأمم المتحدة عام 1991،والتي اعتبرت الأكثر فاعلية، لأنها تمنح الشخص حق امتلاك حياته الثقافية النوعية إلى جانب استعمال لغته الخاصة « لا يمكن منع الأشخاص في الدول التي  تتواجد بها أقليات إثنية،دينية،أو لسانية من حق الاشتراك مع الأعضاء الآخرين للجماعة من أن تكون لهم حياتهم الثقافية، وتعليم وممارسة ديانتهم أو استعمال لغتهم الخاصة. »   تكون هذه المواد نافذة حتى في الدول التي لم تعترف رسميا بوجود مثل هذه الأقليات على ترابها. أما بالنسبة للدول الموقعة على الميثاق ففي إمكانخا اتخاذ الإجراءات التي تنهي عدم المساواة الذي تشكو منه الأقليات.
3- مقاومة الأقليات:
إن التطور الثاني الذي غير واقع الأقليات الثقافية بعد 1945 هو تنامي مطالب الأقليات رافضين التسلط باسم الاختلاف الثقافي. وقد تأكدت هذه المطالب بقوة في أمريكا الشمالية ابتداء من سنوات 1950-1960 وفي أوروبا ابتداء من سنوات 1980 (مسيرة مهاجري الشمال الإفريقي عام 1983) ([6])
وابتداء من سنوات 1950 قام السود الأمريكيين الذين تقووا بمشاركتهم في الحرب بتنظيم أنفسهم للعودة إلى المطالبة بالمساواة في الحقوق المدنية والاقتصادية والتي بدأوها بمطالبتهم بحق السكن طيلة سنوات 1940. كان النضال عنيفا في الولايات الجنوبية، فقد لجأت حكومات كنيدي وجونسون إلى القوة المسلحة بغية احترام الحقوق المدنية وحق الانتخاب للسود. إضافة إلى إدراج تشريعات غيرت مصيرهم: إبطال التميز العنصري في المدارس،إجبار الولاية بإشعار السلطات الفيدرالية بكل تغيير للموطن أو المقاطعة الانتخابية (county) والحركة الاجتماعية من خلال برامج  التمييز الإيجابي (affirmative action). وعين النضال بلغ كندا في سنوات 1960 مع احتجاجات الهنود الأمركيين، وبشكل أقل من طرف المهاجرين الأكرانيين. لقد أبطل هذا النضال وما يرافقه ويوجهه من مداخلات عمومية الاستعمال السلبي لمصطلحات "عرق" أو "إثنية" في سياسات ولايات الشمال الأمريكي.
4- رهانات نضال الأقليات وحلول الدولة:
الرهانات ثلاثة، والرهان الاقتصادي أكثرها وضوحا، لذا يجب التذكير بالدينامية للاقتصادية بتلك الفترة والتي ليست غريبة عن الاعتراف بحقوق الأقليات. إن القارة الأمريكية الشمالية في تحول صناعي وتمدد اقتصادي يتطلبان تطورا في السوق الداخلية وفي اليد العاملة المؤهلة وعير المؤهلة. وجزء من هذه اليد العاملة تكون وطنية، والجزء الآخر منها يجب أن يأتي مما يدعى العالم الثالث. فلم تعد أوروبا ابتداء من الأعوام الستين مصدرا للهجرة. فكل الحصص المحددة ب "العرق" أو "الجهة" تم التخلي عنها في سياسات الهجرة في الولايات المتحدة عام 1965 وفي كندا عام 1967. وفي أوروبا فإن الدينامية مماثلة ومختلفة في آن: إن إعادة بناء ما بعد الحرب تتطلب يدا عاملة غير مؤهلة وغزيرة والتي تأتي بنسبة قوية من المستعمرات القديمة. وقد تم الاعتراف بالحقوق المدنية والاجتماعية خلال أعوام 1970 ولم تبادر أي  دولة من الدول الأوروبية بتفعيل سياسة للحد من التمييز ومساواة الأقليات الثقافية مثلما هو الحال في أمريكا الشمالية، فإن الأقليات الداخلية لا تشكل أبدا، بخلاف اليد العاملة السوداء والنساء في الولايات المتحدة، أو الفرنسية الكندية في كندا رهانا و إضافة اقتصادية.
الرهان الثاني ذو طبيعة سوسيو-سياسية. تهدف احتجاجات الأقليات إلى تقليل سلطة الأغلبيات الثقافية التي تضغط عليها بواسطة الدولة.، والنضال يهدف إلى النفاذ إلى الدولة وإلى تدخلها.
يقول البعض ان صطلاح "الأغلبية الثقافية" يعين أنماطا من الفكر، والقيم،تتشارك فيها نسبة معتبرة من الأشخاص في مجتمع ما ([7]) يكون لتصرفاتهم أثر على آخرين يمتلكون قيما مختلفة. فقد تكون أنماط التفكير هذه حماسا لكرة القدم (soccer)، أنماطا استهلاكية، عقيدة دينية،وكذلك بغض لبعض الأشخاص يصحبه سلوك سلبي وتمييزي.
لقد أتخذت أنماط تدخل الدولة منذ اجتراحها في سنوات 1970 ثلاثة أشكال للحد من التمييز تجاه الأقليات الثقافية. وتظل كندا الدولة الأكثر تقدما في مقابل دول القارة الأوروبية في هذا الباب. ففي عام 1971 سطرت كندا برنامجا متعدد الثقافات والذي تحول عبر مراحل متعاقبة إلى سياسة متعددة الثقافات، بمعنى، سياسة تتجه إلى كل الكنديين، مبشرة بالتعدد الثقافي في المجتمع المدني ساعية إلى محو كل أشكال التمييز الثقافي ( العرق، الإثنية،الدين، اللغة،المظهر الشكلي،الاتجاه الجنسي). ولهذه السياسة ثلاثة أهداف، وطرائق تدخل أساسية:
-تربية الأغلبية الثقافية من أجل التقليل من عدم انعكاسيتها وتمييزها للأقليات الثقافية. فيكون لزاما على الدولة ومؤسساتها أن تجعل من كل تيار للرأي يقدم -على سبيل المثال: الحياة السياسية،وإعادة التوزيع،وحيازة الوظائف في القطاع العام، والاعتراف الاجتماعي، وأنماط الأفعال في المجتمع المدني خادمة لمصالح "المولدين الوطنيين"- تيارا غير شرعي.(المناقشات حول اللباس الإسلامي، حول زخرفات رأس السنة، وأيام العطل، الحصول على المواطنة، تعويضات البطالة،التمييز بين ميراث ثقافي وطني وديني خاص، إلخ...) تأخذ هذه التربية شكل خطاب السلطات السياسية الداعمة للتعدد الثقافي، والتدخل-الضغط بواسطة الإعلام، والمؤسسات الكبيرة، والأوساط الفنية،وشكل برامج تكوين عمال القطاع العام، وفي المقام الأول العمال الذين يكون لهم تماس مباشر مع الزبائن: معلمون، عمال الصحة، قضاة، شرطة.
-تدابير ضد تمييزية، قانونية،من أجل معاقبة المساس بالمساواة في الاستفادة من السكن، الشغل، التعليم، وكل خطاب عمومي عنصري، إثني، كاره للمرأة، كاره للرجل،حاقد تجاه واحد أو أكثر من أقلية ثقافية.
-تدابير من أجل فتح سبل الحركة الاجتماعية لأعضاء الأقلية التي وقع عليها التمييز (المتييز الإيجابي لصالح الأقليات الظاهرة، النساء) ولتسهيل التكيف الثقافي، دخول عالم الشغل، والبرامج العمومية (مساعدات مالية لقطاع الجماعة) التمكين من الحقوق (تربية قانةنية،بخاصة للنساء).
الرهان الثالث رهان أيديولوجي،فكري،وأقل شهرة. فقد كان محوريا في تطور العلوم الاجتماعية والإنسانيات منذ ثلاثين عاما. فخلال سنوات 1980-90 أثارت مطالب مساواة السود الأمريكيين، والحركات النسوية في أمريكا الشمالية نقاشا واسعا في فلسفة السياسة حول وضعية الاختلاف الثقافي في الديمقراطية الحديثة، وحول  نجاعة الحق الصريح في المساواة. وقد رفعت انتقادات جذرية لمسلمات الفكر الليبرالي الأنجلوسكسوني ([8])  والتي جعلت مواقف مثل الموقف الرسمي الفرنسي الذي رفض برامج التمييز الإيجابي بحسب العرق أو الإثنية، موقفا غير شرعي نسبيا.
حتى وإن بدا هذا الجدل الأكاديمي منتهيا مع مطلع السنوات 2000،إلا أنه عاد بشدة مع بروز التيارات العنصرية والكارهة للأجانب: (Tea Party) في الولايات المتحدة، الحزب الكيبك (Parti Québécois)، ميثاق القيم الكيبيكية في كندا، اليمين المتطرف المتزايد في كل أوربا. وجه آخر من هذا الرهان الأيديولوجي والثقافي يخص تاريخ الأفكار. إن التحول السوسيو-ثقافي الناتج عن احتجاجات الأقلية ساهعم في ميلاد الدراسات المسماة: "ما بعد الكولونيالية" التي تحاول إعادة بناء وفهم الهويات،والتكتلات، وخط تنقلات الأفراد والفئات الاجتماعية المستعمرة والتابعة (Spivak, 1988 ; Bhabha, 1994 et 2007 ; Said, 1979, 1993 et 1981-1997)  وغير المطابقة لمعايير الغالبية الثقافية المهيمنة. (المعايير غالبا ما تكون: البيضاء، المسيحية، الذكورية،المشتهي للمغاير، قليل الحركة.).
5-  رد فعل الغالبية: مقاومة التعدد الثقافي. وإعادة الجدولة الاجتماعية:
إن مطالب الأقليات من شانها أن تعيد النظر في الفوائد التي تجنيها الطبقات الاجتماعية من التمييز. ومثل ذلك لجوء أرباب العمل بشكل كبير إلى اليد العاملة من الأقليات (المهاجرين،المكسيكيين، السود قليلي التكوين.) وكذلك هم أجراء القطاعات  التي تكون فيها الوظائف محمية نقابيا، والمملوكة تاريخيا من طرف الوطنيين: (الوظائف العمومية، التعليم غير الجامعي،وظائف أصحاب الحقوقية في فرنسا البالغ عددها 38: خدمات الجنائز، محلات التبغ، إلخ...) زيادة على التدابير الحد من التمييز، مثل برامج (affirmative action)= (التي تهدف إلى تشجيع بعض العناصر المتضررة من التمييز العنصري) التي ينشأ عنها حركة اجتماعية في ميدان الشغل للعناصر المتعلمة من الأقليات المهاجرة،المميزة عنصريا،النسائية.
ومثلما هو الشأن بالنسبة للنضال السياسي، فإن مطالب الأقليات تُسائل،إن لم نقل تُقلل المكاسب السياسية والرمزية للغالبية الثقافية. وتضع  الهويات الجماعية، وأنماط التفكير، وحياة الأغلبية الثقافية التي تحاربها على المحك. فالسود يجرمون العنصرية (العالبية البيضاء العنصرية) والنساء يجرمون الهيمنة الذكورية في الشأن الوظيفي والسياسي (الغالبية الكارهة للنساء ) والهنود الأمريكيين سلب أراضيهم بالقوة والعنف (الغالبية المتحضرة ضد الثقافات الموسومة بالبيدائية) المسلمون يجرمون العلمنة، الحط من شأن الدين والاعتقاد في التطور (الغالبية الملحدة، وسنرى المثليين وأدوار الجنس).
تجري هذه التحولات السوسيوثقافية، في الوقت الذي تتعرض فيه الفئات الاجتماعية التي تستهدفها الأقليات الرافضة، يعني الطبقات الوسطى التي تحاول الاندماج فيها، والتي هي في غالبيتها بيضاء،تتعرض إلى تراجع متسارع في القيمة الاجتماعية – الاقتصادية والثقافية منذ سنوات 1980. ([9]) فالطبقات الوسطى ضحايا آثار العولمة الاقتصادية التي تقلل من قيمة مكتسباتهم ومن مقامهم الاجتماعي الراسي في الدولة الوطنية المتكفلة بحمايتها. فإنها تتحمل أو تخشى الحكة المتصاعدة لليد العاملة، وترحيل الانتاج،وتغيير بنية  الشغل،وتراجع الحركية الاجتماعية الخاصة بها وبخلفتها، وتراجع في القدرة الشرائية،والبطالة،الوظائف المؤقة،وعدم الأمن الجسدي. إن الخوف من الضياع أو ضياع المقام الاقتصاديي، والمرجع الهوياتي يتضاعف بالنسبة للفئات الاجتماعية التي لا تعتبر  فاعلين اساسيين في العولمة، والذين غالبا ما يعيدون إنتاج أنماط حياة وفكر سنوات 1960-1970.
يتحول نضال الأقليات في السلم الاجتماعي إلى نضال أيديولوجي وسياسي بين الفاعلين والمدافعين عن العالمية والعولمة، والفاعلية والمدافعين عن حماية الحدود، والدولة،ودولة الرفاه (l’État-providence)  لما بعد الحرب. ويصر الفاعلون على ربط تصاعد كره الأجانب (xénophobie) وعدم التسامح الديني، والعنصرية، بالأخطار المتنامية التي يدركها ويعايشها الأفراد،وكذلك بالخطابات الدولية حول تدهور الأمن (الجريمة في المدن، الإرهاب ) وحول أخطار (الكوارث الطبيعية، والتكنولوجية، والأوبئة) (Beck, 1999a et b ; 1992a et b) ومن شأن هذه الخطابات أن تفضي إلى خلق ثقافة الخوف ([10]) وتخلق رابطا بين الخطر والبراني (الأجنبي)، وبين الخطر والاختلاف،وبين الخطر والغيرية (أجنبي، مهاجر، آخر مختلف عني) (Perry & Poynting, 2006 ; Morgan & Poynting, 2012)
وابتداء من سنوات 1980 وبشكل أشد في سنوات 2000، بدأت هذه الجماعات -وهي تعتقد أن مكانتها تسلب جراء احتجاجات الأقليات، والحماية التي تمنحها الدولة لها- تتشدد وتنحاز إلى الحركات الشعبية المناهضة للدولة،والمناهضة للنخب، وكارهي الأجانب، وتحاول تعديل السياسات العمومية إلى الاتجاه الذي تحسب أنه في صالحها ([11]) بمعنى المحافظة على مكتسباتها وهويتها.

[1] -حسب استطلاع World Values Survey en 2005-2007 (www.worldvaluessurvey.org)،فإن  11% من المجيبين الإيطاليين يرفضون أن يكون لهم جار من "عرق" آخر، قياسا إلى  4,9%في بريطانيا، و6,9% في إسبانيا.
[2] -هناك حوار حول تعريف الثورة الهايتية باعتبارها أول احتجاج على الهيمنة الأوروبية، نظرا لطلبات المساواة في الحقوق دون اعتبار للعرق المعول عليه، واستلام البيض للسلطة.
[3] - ضحايا المجزرة التي ارتكبها النازيون: 6ملايين يهودي،200.000 أو أكثر من الغجر،والآلاف من المعارضين السياسيين، والمثليين.
[4] -قدمت ملفات أخرى كذلك شروط عدم التمييز: الاتفاقية رقم 111 (المنظمة الدولية للشغل OIT ) المتعلقة بالشغل والوظيفة (المادة 1.1958)  الاتفاقية الدولية لاستبعاد كل أشكال التمييز العرقي (المادة 1.1965) اتفاقية اليونسكو (المادة 1 ضد التمييز في التعليم 1960) البلاغ عن العرق وعن الأحكام السابقة العرقية لليونسكو (المادة1،2،3،1978) البلاغ عن اطراح كل أشكال عدم التسامح والتمييز المبني على الدين أو على الاعتقاد (المادة 2، 1981) الاتفاقية الأوروبية للمحافظة على حقوق الإنسان (منظمة الولايات الأمريكية)، الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (منظمة الوحدة الإريقية).

[5] -الميثاق المتعلق بالحقوق الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية (ONU, 1966, art. 13) الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية (1966/1991, art. 27) بيان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية أو إثنية، أو دينية ولسانيةONU, 18)  ديسمبر 1992  ( الاتفاقية- الإطار لحماية الأقليات الوطنية، الميثاق الأوروبي للغات المحلية أو الأقلية (المجلس الأوروبي) ملف اجتماع OSCE (المنظمة من أجل الأمن والتعاون الأوروبي) بكوبنهاغن حول الأهمية البشرية.
[7] -قد تكون نسبة 30% كافية لرسم توجه في كيفيات الأفعال داخل مجتمع مدني. يتوقف ذلك على السلطة السياسية و/أو الإعلامية للأغلبية الثقافية المعنية.

[8] -إن مصطلحات "ليبرال" و"ليبراليزم" لا تحيل أبدا إلى نظرية ذات دور أدنى للدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، ولا تحمل أبدا مفهوم "الليبراليزم الاقتصادي الجديد" (néo-libéralisme). وإنما تستعمل في دلالتها النظرية والتاريخية، بالمعنى الأنجلو-سكسوني أكثر منه الفرنكو- فرنسي. تاريخيا فإن هذه الدلالة وجدت في فرنسا، غير أن العقيدة الجمهورية (Jaume, 1997) طغت كليا على الفلسفة الليبرالية الكلاسيكية، أو تحولتها، فقدت دلالاتها الأصلية.

[9] -بمثال مثير لتفاقم عدم المساواة الاجتماعية حسب تقرير (Caritas le 18 octobre 2013) 6% من السكان الاسبان يعيشون ب 307 يورو شهريا عام 2012. ضعف العدد في 2008. وارتفع عدد المليارديرات ب 12% في 2011.
(The Guardian Weekly, October 18th, p. 13, « Wealth gap in Spain is EU’s biggest »).

[10] -هناك شعار يصف الوجهات الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية:  God, Gays and Guns.: (الله،المثليين،الأسلحة)
[11] -الحديث المفتوح في الولايات المتحدة منذ 1970 من طرف الحزب الجمهوري يجنح إلى تقليص حجم الدولة وحجم البرامج الاجتماعية (entitlements) (الاستحقاقات) وقاعدته الانتخابية تريد الاحتفاظ بمكتسباته المالية. يقدر القطاع المالي ابتداء من سنوات 1970 أن عوائد الرأسمال تنخفض بشدة،وأن كلفة الدولة مرتفعة جدا. وطالب وحقق فتح الحدود لتصدير رؤوس الأموال إلى دول يكون فيها الأجر وكلفة الإنتاج منخفضين،وإلغاء الفصل بين نشاطات الاستثمار وتجارة البنوك (عام 1998 زمن رئاسة بيل كليمنتون) وأنشأ محصولا ماليا كاذبا، مشجعا الطبقات المتوسطة على الاستدانة خالقا بذلك فقاعات وأزمات إقتصادية. بيد أنه منذ أربع أو خمس سنوات يتشدد جناح في الحزب ( Tea party ) (حركة سياسية متعددة الألوان احتجاجية، تعارض الدولة الفديرالية وجبايتها) خاصة،لتطبيق هذا البرنامج،وتأكيد قيمه ومرجعيات هويته (العائلة،المسيحية،احتقار الفقراء،الفضيلة،نبذ المنحرفين من كل نوع حتى المثليين) الملاحظ أن هذا التيار يهدم الدولة. وفي المقابل يقوم التحالف المناصر لديمقراطيي الفقراء،والطبقات الوسطى التي تكابد التراجع الاجتماعي،والنخب الليبرالية المنتمية إلى الأسر الثرية، والسود، والمكسيكيين، والمهاجرين، والملونين، وغير المسيحيين، والمنحرفين ثقافيا،بالتلاحم والتقوي. إن انعطاف الثقافي لحزب الكيبيك يشبهه. فالمدافعين عن حقوق الطبقات الوسطى، والنخب الفرونكوفونية الصاعدة،تكمم أفواه حاشية المولدين، والعنصريين،وكارهي الأجانب  في الحزب وليس له حاليا من قاعدة أساسية إلا أصوات الكاثوليك ثقافيا الخائفين على فقد مكانتهم وسلطتهم في المجتمع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعبير والتجريد في الشعر الحديث.. بقلم : حبيب مونسي

  كيف كان الشعر العربي..وكيف أصبح؟ ما هي مشكلته اليوم؟ التعبير والتواصل.. التجريد والاغتراب؟ كيف ينظر النقد إلى هذه المعضلة؟ .. ما المخرج إذا؟

التمثيل في القرآن الكريم.

تتناول هذه المداخلة التمثيل في القرآن الكريم باعتباره أسلوبا مشهديا لتقريب المعنى وتجسيده أمام القارئ كما تبين دور التمثيل في فتح الدلالة على آفاق تأويلية متعددة.

نظرية التلقي.. رؤية فلسفية أم منهج؟؟ كيف فهمناها؟؟ بقلم : حبيب مونسي

كثيرا ما صرنا نلهج اليوم بشيء يسمى نظرية التلقي .. ويسعى كثيرا من طلبة الجامعات إلى التقاط هذا العنوان ليكون شارة في دراساتهم.. لكن هل فعلا نعي خطورة ما نقدم عليه؟؟ هل فعلا فهمنا المراد منها؟؟ أم أننا دوما نجري وراء مسميات فارغة نزين بها لوحاتنا البحثية.؟؟

أحاديث في النقد والأدب والفكر..محمولات الألفاظ الثقافية....الحلقة 04.

تتناول هذه الحلقة الحديث عن المحمولات الثقافية التي يكتنزها اللفظ والتي تتراكم فيه عبر الازمنة والاستعمالات فتكون بمثابة المرجع الثقافي والمعرفي الذي يحيل عليه اللفظ. وحينما يستعمل الأديب الألفاظ إنما يريد استثمار تلك المحمولات لترفد المقاصد التي يرومها والمرامي التي يرد للمعنى أن ينفتح عليها.. كما أنها تدفع القارئ إلى تحرك ثرائها لإنتاج المعنى وتحيين النص قراءة وتلقيا..

نقرأ لنكتب أم نكتب لنقرأ؟هل بيننا وبين الغرب في هذا من اختلاف؟ بقلم : حبيب مونسي

هل نقرأ لنكتب؟ أم نكتب لنقرأ؟ ما الفرق بين الوضعيتين؟ هل تقديم القراءة على الكتابة يغير من وضعها؟ هل تأخير الكتابة على القراءة يكشف جديدا في العملية الإبداعية؟ لماذا لا يرى الغرب من وجود للعالم إلا داخل الكتابة؟ ولماذا نراه خارجها؟ هل هذا الفهم يفرض علينا أن نعيد النظر في نظرياتنا النقدية الحداثية؟

حوار حول رواية: مقامات الذاكرة المنسية. مع حبيب مونسي. بقلم : تقار فوزية

مقامات الذاكرة المنسية، الرواية الماقبل الأخير للروائي الناقد الأستاذ حبيب مونسي والتي حظيت بعدد من الدراسات الأكاديمية- رسائل ماجستير ودكتوراه .  إنها الرواية التي حاولت أن لا تشتغل بأساليب السرد الغربية التي شاعت في الكتابات الجديدة،